لم يعرف التاريخ إرهاباً قذراً كالذي مارسه اليهود الإسرائيليون في حق إخوتنا الفلسطينيين حين قاموا بتهجيرهم من منازلهم وقراهم بحجة أنها أرضهم وهم سكانها الأصليون، يومها قام العالم بالتنديد بهذا التهجير القسري بحق الفلسطينيين الذين أرغموا على هذه الهجرة التي قاموا بها خوفاً من إرهاب فرق الهاجانا الإرهابية التي كانت تقوم بتمشيط القرى لتهجير أهلها منها
اليوم -ويا للعجب يتكرر - هذا المشهد، ولكن أطراف هذا المشهد لها دين واحد يدين به الطرفان
والمشكلة - كما يعزوها الكثير- تعود إلى أن ثورة قامت في البلاد امتطاها فريق بعينه، وركب موجتها ليستأثر بثمارها التي قامت بها جموع الشعب، في مشهد يعيد للأذهان تلك الطرق التي يستخدمها المتسلقون عندما تتبدل مواقفهم للوصول إلى أهدافهم غير المعلنة التي ترفضها الشعوب نظراً لأنها مشاريع فئوية ضيقة
اليوم وللأسف الشديد نستذكر ما قاله أعداء الثورات سابقاً من أن" الثورات يخطط لها الشرفاء ، ويقوم بها البسطاء ، ويجني ثمارها الانتهازيون "
اليوم نتذكر كيف كان الحوثيون في ساحات التغيير وميادين الحرية ينادون – كما شباب التغيير – بالحرية والانعتاق من رقة العبودية الممتدة لثلاثة وثلاثين عاماً، وما عرف الشعب أن تحت القدور كانت توقد النيران ، وتبيت النوايا لتنفيذ مشروع طائفي قذر لا يقبل التعايش حتى مع من ظل متعايشاً معهم لعشرات السنين وهم السلفيون .
واللافت للنظر أن عدداً لا بأس به من الناشطين والكتاب والسياسيين والإعلاميين والصحفيين عندما رأوا أن كفة بدأت تميل لصالح الحوثي في الوضع القائم بدأوا يتذبذبون توجساً من ميلان هذه الكفة لصالح الحوثي ، وبدأوا بالتفكير كيف بالإمكان تحويل الوجهة نحو قبلة الحوثي الذي رأوا فيه المصلحة الآنية
وأنه لأمر محيّر فعلا ومؤسف في نفس الوقت أن تتغيّر مواقف بين ليلة وضحاها بحيث تغيّرت النكهة السياسية لكتاباتهم، وتبدلت ألوان جلودهم،. حينما تُعجب بقلم أحدهم، وتتبع مقالاته، وتتبنى أفكاره، فتجده ينسلخ من كلّ هذا، وبحجة مصلحة الوطن واقتصاده وأمنه.. يترك مبادئه ويتّبع مصالحه الضيقة والشخصية
بل تمثّل هذا التغيّر في الموقف والمبدأ، إلى التهجم ممّن كان يصفهم، وممن تشارك معهم الرأي، وسار الدرب بجانبهم، فلم يتوانى في كتابة مقالات سمّتهم بالأسماء, وسفهت من أفكارهم، وقللت من أهدافهم.. وكذلك، تراجع عن هجومه على أسماء مسؤولين.. وتخلّى عن فكرته الأساس في الاختلاف.. فهل هذه هي حقاً ثقافة الاختلاف والتعايش أم هي ثقافة الحرباء؛ أينما تموضعت تتلوّن بلون الموضع الذي أنت فيه، وإذا رأت كفّة غلبت انحازت لها، أو أية جهة دفعت لك وأملّتك اتبعها.
العجيب في الموضوع أن تغيير المبادئ والتنازل عنها خطايا مجتمعية تضع صاحبها أمام حالة من الكرّ والفرّ لمبادئه، دون أيّ اعتبار لمدى صدقية مواقفه، وما هي المصالح التي يعتمد الوصول إليها من خلال تنقلّه من موقف لآخر.
ما حدث في اليمن بعد المبادرة الخليجية وخروج علي عبدالله صالح من الحكم فضح الكثير من أصحاب “أنصاف المواقف” و “أنصاف المبادئ”، وقدّم لنا كوكتيل من الأسماء التي لطالما كنّا نسمع لها أو نقرأ، وهم يميلون مع من مالة له الكفّة، وينقلبون على مواقفهم ويتهجمون حتى على أفكارهم السابقة، دون الحاجة لذكر أسمائهم الكثيرة والعديدة هنا. فهل باتت المواقف مجرد “وجهة نظر”، لها لونها وشكلها وطبيعتها، حسب الحالة السياسية العامة؟؟
إن على هؤلاء أن يتأكدوا أن اليمن لن تعود أبدا إلى ما كانت في أيام المخلوع ،اختلفت الخارطة السياسية قليلاً نعم.. ولكنها ذاهبة في التغيير إلى الأعماق.. فالمجتمع الذي هو أساس كل تغيير وضمانته للبقاء.. هو من يجب أن يضمن استمرار حركة التغيير.. مادامت سليمة وواضحة ولا لبس فيها، ولا تقوم في أهدافها البعيدة على خدمة أسماء ما بعينها أو ايدلوجية سياسية ما.. ذلك أن المجتمع.. طالما جعل من هذا التغيير عادة يمارسها أفراده.. وأفكار يتداولها عمومه.. رسخت وبقت.. مهما حاولت جماعة أو مجموعة من الناس أو فئة منها التغطية عليها أو رفضها.
قد أكون أطلت الحديث عن الجلود المتبدلة وابتعدت قليلاً عن صلب الموضوع لكنه ضروري في ظل الاستقواء بالمواقف ، ولذلك حدثت جريمة التهجير القسري والإرهابي ضد إخوتنا السلفيين، وما نريد التأكيد عليه في هذا السياق أن نزو ح أبناء دماج من منطقتهم تعد من أبشع الجرائم، أما لماذا؟ فلأن جريمة التهجير القسري على أساس مذهبي, كما يعرف الجميع - أخطر بكثير من جرائم الحوثي بحق المدنيين من قتل وحصار, وبحسب رأي الأستاذ علي الجرادي الذي أوافقه الرأي فإن هذه الجريمة ستفتح المجال واسعاً أمام تشكيل الأقاليم وفق هويات مذهبية وعرقية وجغرافية وتتضاعف الجريمة بتوقيع مسؤولين حكوميين عليها, بما يناقض المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية؛ أما الحوثي فهو مهووس بوهم النصر على أبناء وطلبة العلم في دماج ولن يدرك خطورة التهجير المذهبي والعرقي على فكرته ومناصريه إلا حين يواجه المجتمع بنفس طريقة تفكيره..
مروان المخلافي
التغريبية الدماجية(1-2) 1201