تزخر الحياة من حولنا بكثير من النماذج للمشكلات التي نواجهها في الحياة وتقف عائقاً أمامنا في تحقيق ما نصبوا إليه من العيش الكريم والمحترم، فثمة مشكلات لا دخل لنا فيها لأنها من مصادر خارجية، وأخرى لها علاقة بالموارد المالية، وأخرى لها صلة بالناس وبعلاقتنا معهم؛ وهناك مشكلات لها علاقة بالأسرة والأطفال.. إلخ؛ والحكيم في هذه الدنيا – بصرف النظر عن عمره وعن ماله- هو الذي يستطيع أن يسخّر تلك الصعوبات لصالحه ويتغلب عليها من خلال فهمه السليم في كيفية التعامل معها, وخاصة أننا نعيش في الحياة التي لا نستطيع أن نمحي من عالمنا فيها مالاً نريد الاحتفاظ به، أو أن نمحي من ذاكرتنا الأشخاص الخطأ في حياتنا، الأمر الذي يدعونا لأن نعيش فيها بتفاؤل نشرع من خلاله صوب آمالنا وطموحاتنا واضعين نصب أعيننا أن النجاح ليس هبةً للجميع.
تحت عنوان "الدنيا تضحك للأذكياء"، تروى حكاية من الأدب الفارسي، أن رجلاً يقيم في قرية وله مزرعة بعيدة عنها، فيصحو باكراً ويذهب إلى مزرعته ليعمل في الحقل ولا يعود إلا قرب غروب الشمس, يخرج من بيته وقد أفطر مع أسرته وابتسم لهم، ويعود في المساء محمّلاً بما يستطيع حمله من خيرات المزرعة, وقد عاش سعيداً مع أهله، وعُرف عنه الكرم والسخاء ومساعدة المحتاجين وبذل الخير للجميع, وله أخ أكبر منه يعيش في قرية أخرى، وقد كان هذا الأخ الأكبر في بداية عمره ذا مال من تركة والده، ولما نفد المال الذي بين يديه، عاش على صدقات الناس, وقد برم من ضنك العيش، ففكر أن يذهب لكي يعمل مثل عمل أخيه الذي ملأت سمعته البلاد, وبالفعل سافر إلى قرية أخيه، وجلس عنده فترة، ثم سأله أن يعمل معه في الحقل، فرحّب الأخ بذلك، وطلب منه أن يرافقه في الصباح الباكر إلى المزرعة, فتكاسل الأخ الأكبر أن يصحو باكراً، وطلب أن يصف له مكان المزرعة وسوف يصل إليها في الضحى.
فوصف له الأخ المكان وشرح له وجود آبار وحفر ومستنقعات وأشجار وتلال في الطريق الفاصل بين المزرعة والبيت, وذكر له وجود بعض السباع والأفاعي لكي يأخذ حذره منها حينما يأتي إلى الزراعة.
وحينما جاء الضحى استيقظ الأخ الأكبر وذهب إلى مزرعة أخيه حسب الوصف الذي سمعه وفي الطريق وجد قدميه تغوصان في الرمل، فتذكّر أن عليه أن يمشي بعيداً عن الرمال، وأثناء ابتعاده عن الرمل لصقت قدماه في وحْل وانزلق على الأرض وسقط مراراً وتوسخت ثيابه، ولمّا ابتعد قليلاً عن منطقة الوحل صادف أمامه بئراً تحيط بها أشجار شوكية لا يستطيع أن يتجاوزها، ففكر أن يعتلي الجدار ولكنه رأى كلباً ينبح أمامه، وخاف أن يهجم عليه، فقرر أن يعود أدراجه إلى المنزل بعد أن وجد صعوبة فائقة في الذهاب إلى المزرعة التي لا يزال في بداية الطريق نحوها.
ولأن ثوبه متّسخ، أراد أن يغسله من مستنقع قريب، وأثناء اقترابه منه هجمت عليه أفعى، فسقط من شدة الهلع ثم قام وسقط مراراً حتى اندقّت وركه وتألمت ولم يستطع حراكاً سوى إبقاء عينيه مفتوحتين لمراقبة الأفعى لكي لا تهجم عليه، وظل يعوي في مكانه حتى غربت الشمس وحينما عاد أخوه من المزرعة كعادته، وجد الأخ الأكبر في هذه الحال التعيسة التي هو عليها. وسأله عن الأمر، فرد الأخ الأكبر: لا أريد مزرعة ولا حياة، أريد أن أعود شحاذاً حيث كنت، فهذه الحياة صعبة ومرهقة ومؤلمة ولا أستطيع أن أتحمّلها, فرد عليه الأخ الأصغر بقوله: "بقليل من الكلام وبكثير من الصبر تبني لنفسك قوّة تتغلب فيها على متاعب الحياة؛ فتصبح حياتك جميلة".
والمقصود بذلك أن ظروف الحياة ومتطلبات العيش فيها تقتضيان وجود صعوبات ومشاق، والذين ينجحون فيها هم أولئك الذين يُحسنون فهم الحياة ويعرفون كيف يحلّون مشكلاتهم ويتغلّبون على العوائق التي تواجههم.
على أن فهم الحياة ومتغيراتها ليس أمراً هيّناً، وليس متاحاً لأيّ أحد مهما بلغ من إحراز درجات عالية من الشهادات العلمية أو تحصيل قدر من المعرفة؛ فأغلب الذين يدّعون أنهم أكثرنا فهماً للحياة يقعون في شراك فهمهم لأنهم ببساطة لم ينتبهوا إلى وجود فهم آخر يختلف عن طريقتهم. إن المعرفة والذكاء والخبرة ليست إلا وسائط يمكنها أن تُساعد في الوصول إلى الحكمة التي تعد مهارة عقلية عليا تساعد المرء على فهم الحياة بطريقة سليمة.
لقد تعجبت من خبر ساقته لنا إحدى القنوات الفضائية تتحدث فيه عن تمكن الشرطة الفلسطينية من تحرير فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً بعد قيام والدها باحتجازها داخل حمام منزله قرابة 11 عام بقلقيلية .
وفي حيثيات الخبر أوضح بيان إدارة العلاقات العامة والإعلام بالشرطة بأنه وبناء على معلومات توفرت للشرطة حول قيام شخص باحتجاز ابنته داخل حمام منزله، استصدرت الشرطة أمر تفتيش للمنزل من النيابة العامة و توجهت قوة من شرطة المدينة وشرطة المباحث العامة وقامت بتفتيشه و وجد باب موصد بإحكام وطلبت الشرطة من صاحب المنزل فتح الباب إلا أنه رفض ذلك مدعياً أنه باب حمام و ابنته بداخله ولا يستطيع فتحه " كأمر طبيعي "،
وبعد لحظات سمع صوت فتاة تستنجد من داخل الحمام المغلق فهبت الشرطة لنجدتها و تبين أن مفتاح الباب بحوزة والدها، وفتح الباب لتظهر فتاة تبلغ من العمر قرابة 20 عاماً و على الأرض يوجد بطانية ووسادة.
وأشار البيان أن الشرطة أخرجت الفتاة من حجزها وتوجهت بها إلى مديرية الشرطة ووفرت لها ملابس و غذاء بحضور الأستاذة/ هالة شريم ممثلة عن مديرية الشؤون الاجتماعية لمتابعتها
و تم القبض على والدها بعد مقاومته رجال الشرطة واعترف بأنه قام باحتجازها داخل الحمام وهي في سن الحادية عشرة و لم تبصر النور منذ ذلك الوقت.
كما تبين أن الفتاة حجزت على مرحلتين في بلدة النبي إلياس و مدينة قلقيلية و أن سبب الاحتجاز خلافات عائلية
بدورها شكرت الفتاة جهاز الشرطة الفلسطينية على الجهود التي بذلوها في إنقاذها من الحجز الذي دام قرابة تسع سنوات داخل حمام.
ومن جانبه ناشد المقدم موسى يدك مدير شرطة المحافظة أولياء الأمور كافة بالحفاظ على سلامة وحياة أبنائهم وعدم إشراكهم في الخلافات والمشاكل العائلية.
الشاهد من القصة: أن الفتاة وبعد تحريرها أول ما تفوهت به قالت بأنها مشتاقة لأن تبدأ حياتها من جديد، وأنها في أتم الاستعداد للدخول في حياتها لجديدة التي كانت حرمت منها، قالت ذلك بعد سؤالها عمن حبسها الذي قالت بأنها ليست بصدد الوقوف عند أبيها الذي تسبب لها بجروح تتمنى أن تتجاوزها وتدخل حياتها التي تنشدها
مثل هذا النموذج فيه دلالة واضحة بأن الحياة أبداً ما صفت لأحد من الناس، فقط من يبتكر أساليب تجاوز صعوباتها هو الناجح فيها.
مروان المخلافي
هندسة الصعاب 1237