بعض الناس للأسف الشديد يظنون أن الأخلاق حكرا عليهم، وأن معالي الأمور خلقت لصيقة بهم، فيبدأ بالتنظير للأخلاق مستدلاً بنفسه كنموذج لهذه الأخلاق السامية عبر سوقه لأمثلة من تعاملاته مع الآخرين، والبعض الآخر يرى في نفسه صاحب مشروع الفهم الصحيح، والتفكير العقلاني السليم في هذا الزمن الذي اختلطت في المعايير، وانتكست في المفاهيم، وأصبح الانفصام النكد سيد الموقف الذي أصبح يحكم الجميع.
بغض النضر عمن يرى في نفسه ذلك لا بد لنا في هذا المقام من القول بأن الأخلاق هي الشيء الوحيد في هذه الدنيا من لا تحتاج إلى شهادة حسن وسلوك، بقدر ما تحتاج إلى واقع يتحدث عن نفسه، كم من المرات التي تحدث فيها الآخرون عن أنفسهم بأنهم أصحاب أخلاق فإذا هم أصفار على الشمال لا يزنون مثقال ذرة من هذه الأخلاق التي يتحدثون عنها عندما يتعلق الأمر بالمشاهدات اليومية، والواقع المعاش، والاحتكاك المباشر، في الوقت الذي نجد فيه فئة من الناس لا يأبه لهم، وليسوا من هواة التحدث عن أنفسهم، لهم قدراً رفيعاً في الأخلاق، ربما قد ينظر إليهم أمثال هؤلاء من مدعيي الأخلاق بازدراء، لأنهم قد يكونوا في بعض الأحيان ليسوا من أصحاب الحظوات في المجتمع، لكنهم عند الله عز وجل أصحاب مقام رفيع يتقاصر عنده أمثال هؤلاء من مدعيي الأخلاق وفي بعض الأحيان تتبادر إلى أذهاننا رسائل سلبية عن الآخرين يسببها سوء الظن بهم، وعدم حملهم على السلامة، ففي موقف طريف فيه من العبرة ما يجعلنا نعيد النظر في كثير من تعاملاتنا اليومية، تحكي أم عربية أنها وبينما تقوم مع ابنتها بإدخال بطاقة الصراف الألى لاستخراج نقود، شعرتا برجل أسود خلفهما ينتظر دوره في استخدام الصراف، من شكله يظن من يراه لأول مرة بأنه أمريكي أسود كما ظنت الأم وابنتها، لم يستجب الصراف لبطاقة الأم وابنتها ارتبكتا، وزاد من ارتباكهما الرجل الأسود الذي أصبح يطل برأسه عليهما ما جعلهما يظنان به شكاً بأنه لص، قامت الأم بمعاجلة ابنتها حتى لا تقعان فريسة الرجل الذي ظنا أنه لص زاد ارتباك الأم وابنتها مع حركة الرجل من خلفهما والذي أصبح يطل برأسه عليهما بطريقة ملفتة للنظر، والصراف ما زال على حاله، البنت تدخل البطاقة والصراف يخرجها دون أن يستجيب لها، والأم قلقة على نفسها وابنتها ممن يقف ورائهما، طال وقوف البنت مع أمها والصراف ما زال على حالة من عدم الاستجابة
خافت الأم على ابنتها، أرادت أن تنبهها بالرجل الذي ظنت بأنه لص، عمدت إلى طريقة لتنبه من خلالها ابنتها دون أن تلفت انتباه الرجل، قامت بالتصفيق والغناء بالعربية حتى لا يفهمها الأمريكي الأسود قائلة بلهجتها " بسرعة يا بنت ورائنا لص يريد سرقتنا " فهمت البنت على أمها وأخرجت البطاقة من الصراف الذي كان يخرجها في كل مرة، همت بالانصراف مع ابنتها بعد انتهائها من غنائها، لكن الأسود فاجأ الأم وابنتها يغني ويصفق قائلاً بلهجته " هذا الأسود عربي ..ويريد أن يساعدكم.. البطاقة مقلوبة، فضحتونا الله يفضحكم "
الموقف وإن بدا قصيراً وطريفاً في نفس الوقت إلا أن فيه ما يمكن الوقوف عنده من التأني وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام داخل النفس دون التأكد أو التثبت من أقوالها، والموقف السابق يهون باعتقادي أمام موقف آخر لمسلمة تضع النقاب كانت تقوم بالتسوق في سوبر ماركت في فرنسا... وبعد الانتهاء من التبضع ذهبت إلى الصندوق لدفع ما عليها من مستحقات ... وخلف الصندوق كانت هناك امرأة متبرجة من أصول عربية فنظرت إلى المنقبة بنظرة استهزاء ثم بدأت تحصي السلع وتقوم بضرب السلع على الطاولة لكن الأخت المنقبة لم تحرك ساكناً وكانت هادئة جداً مما زاد تلك العربية غضباً فلم تصبر وقالت لها وهي تستفزها لدينا في فرنسا عدة مشاكل وأزمات ونقابك هذا مشكلة من المشاكل التي تسببتن لنا بها.. فنحن هنا للتجارة وليس لعرض الدين أو التاريخ ... فإذا كنت تريدين ممارسة الدين أو وضع النقاب فاذهبي إلى وطنك ومارسي الدين كما تشائين ...
توقفت الأخت المنقبة عن وضع السلع في الحقيبة ونظرت إليها ... ثم قامت بكشف النقاب عن وجهها وإذ هي شقراء ... زرقاء العينين قائلة: أنا فرنسية أباً عن جد ... هذا إسلامي وهذا وطني ... أنتم بعتم دينكم ونحن اشتريناه!
ما أحوجنا اليوم كمسلمين أن نقدم للآخرين نموذجاً إسلاميا فريداً - كهده الذي عرف به – للآخرين بدلاً من النظر بازدراء للآخرين، والتنظيرات الدونية لهم، وكأننا مزن السماء الذي لا تخالطه شائبة، أو أننا صفوة الخلق في هذه الدنيا، من قال هذا الكلام والناس معادن كمعادن الذهب منها الرديء ومنها الخالص، ومنها ما هو بين ذلك نسأل الله السلامة
مروان المخلافي
لندع الأخلاق تدل علينا 1372