ينزعج كثيراً من الناس حين ينظرون إلى الواقع الراهن، سواء بالنسبة للحرب الضارية التي توجه إلى الحركات الإسلامية في كل الأرض، أو بالنسبة لما وقع – وما يزال يقع– من الاضطراب في مسيرة الحركة من جهة أخرى، فيحسبون أن العمل الإسلامي ليس له مستقبل، وأن الواقع السيئ الذي يعشه المسلمون اليوم سيستمر على ما فيه من السوء، أو أنه صائر إلى مزيد من السوء.
أما نحن فنعتقد اعتقاداً راسخاً أن المستقبل للإسلام, ولسنا نبني رؤيتنا على أوهام، ولا على أحلام، ولا نحن كذلك نغمض أعيننا عن العراقيل القائمة في وجه العمل الإسلامي من داخله أو من خارجه، ولا نقلل من شأنها، ولا من تأثيرها على العمل الإسلامي.
لكنا نؤمن إيماناً جازماً أن البشر ليسوا هم الذين يقدرون الأقدار، سواء منهم العدو أو الصديق، إنما الله هـو الذي يقدر، وهو صاحب الأمر من قبل ومن بعد، ومشيئته هي النافذة ، وقدره هو الغالب : ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وقدر الله يجري من خلال سننه التي لا تتبدل ولا تتحول، ومن خلال وعده ووعيده، ومن خلال مشيئته الطليقة التي تقول للشيء كن فيكون، وتخلق الأسباب التي يتحقق بها كل شيء حين يقدر له أن يكون.
وإذا نظرنا إلى الموقف على ضوء السنن الربانية، وعلى ضوء وعد الله ووعيده، فسنجد على الساحة عنصرين متصارعين: الحركات الإسلامية من جهة، وأعداء الإسلام من صهيونيين وصليبيين وأعوانٍ لهم من جهة أخرى, فما الذي يتوقع لكل من العنصرين في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد؟.
أما الحركات الإسلامية فقد أسهمت في العمل الإسلامي بجهد واضح لا شك فيه وانتشار الروح الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي كله، والرغبة الحارة في العودة إلى الإسلام في محيط الشباب خاصة، راجعان بعد فضل الله ومشيئته إلى الجهد الذي بذلته الحركة في أكثر من نصف قرن من الزمان، منذ سقوط الخلافة إلى الوقت الراهن.
ولكن السلبيات القائمة في العمل الإسلامي معوّق واضح يبدد كثيراً من طاقة العمل ويبعثره، ولا يجعل الجهد يؤتي ثماره المرجوة، فهل يستمر الوضع على هذا الحال ؟ ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) ولكن الأمر لا يخرج عن أحد احتمالين : إما أن يستمر الوضع على حاله، وإما أن يتغير ونحن نرجو – من خلال التجارب المُرَّة التي يمر بها العمل الإسلامي – أن يتغير الوضع إلى الصورة الصحيحة، وأن تُتَلافى الأخطاء التي وقعت، وتبدأ مسيرة سليمة على منهج سليم.
ولكنا نفترض الفرض الأسوأ، وهو إصرار العاملين في حقل الدعوة على مواقفهم، على اعتبار أن منهج كل منهم هو المنهج الأصوب، وأن ما يدعو إليه غيره بعيد عن الصواب أو على أساس أنه لا يمكن التراجع بعدما مضت كل حركة في طريقها خطوات ليست بالقليلة، أو على أساس آخر مما يمكن أن تبرر به كل حركة إصرارها على موقفها, فماذا يحدث حينئذ ؟ هل يعجزون الله ؟ أم يُنْفِذُ الله قَدَرَه رضى الناس أم أبوا؟.
إن أداة التغيير موجودة على الدوام في سنة الله عز وجل : ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) فإذا كان في قدر الله أن يبقى هذا الدين، وأن يظهره على الدين كله كما أخبر سبحانه في كتابه المنزل، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلن تقف سلبيات العمل الإسلامي الراهن أمام قَدَر الله ومشيئته، وسوف يُنْفذ الله وعده، ويخلق لنفاذه ما يشاء من الأسباب أما الأعداء فلننظر ماذا يخصهم من سنن الله، ومن وعده ووعيده.
أما الغرب الصليبي، فأشد ما ينطبق عليه من السنن الربانية هو قوله تعالى: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) ذلك أنهم أرادوا الحياة الدنيا وعملوا من أجلها واجتهدوا فوفّى الله لهم أعمالهم فيها بحسب سنة من سننه :.. فإذا كان الغرب اليوم ممكناً في الأرض، ومستعلياً فيها حسب هذه السنن الربانية، فإن هذه السنن ذاتها تقول إن ذلك الإملاء لا يدوم إلى الأبد، إنما هو موقوت بقدر يأتي من عند الله في موعده المقرر له وخلاصة القول: إن الغرب اليوم يملك كل وسائل القوة المادية، ولكنه لا يملك القدرة على الاستمرار، لأنه خاوٍ من العوامل التي يكتب الله لأصحابها الاستمرار، وهي الإيمان بالله واليوم الآخر، وعمل الصالحات.. ولا شك أن لديهم أعمالاً صالحة، كالخدمات الطبية وتيسير سبل الحياة بما يوفر جزءاً من المشقة التي يكابدها الإنسان في الأرض، ولم تخل جاهلية من جاهليات التاريخ من أعمال صالحة يقوم بها بعض أفرادها، ولكن ذلك لا يمنع عنها صفة الجاهلية من جهة، لأن هذه لا تزول عند الإنسان إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر واتبع ما أنزل الله.
ومـن جهة أخرى فإن تلك النقاط البيضاء المتناثرة في الثوب الأسود الممتلئ بالشر، لا تغني عن أصحابها شيئاً، ولا تمنع عنهم الدمار الذي تقرره السنن الربانية لهم مهما طال الإملاء لهم.
إن الإلحاد الذي تنشره الحضارة الغربية، والانحلال الخلقي الذي تنشـره وسائل إعلامها، والخواء الروحي، والانغماس في المتاع الحسي إلى آخر المدى، وتزيين الحياة الدنيا ونسيان الآخرة نسياناً كاملاً، والغفلة عن أن الله يحصي على البشر أعمالهم ويحاسبهم عليها ، كل هذا لا يصنع حضارة حقيقية يكتب الله لها الاستمرار في الأرض، ولو أملى لأصحابها فترة من الزمان لحكمة يريدها.
ولسنا نحن الذين نقول ذلك إرضاءً لعواطفنا، أو تصديقاً لأحلامنا! فمن قبل سنوات قال برتراند رسل : " لقد انتهت حضارة الرجل الأبيض، لأنه لم يعد لديه ما يعطيه " ومن قبل قال ألكسيس كاريل : " إن هذه الحضارة آيلة للانهيار " .نعم سيسقطون وسيكون السقوط مدوياً.
محمد المياحي
نظرة أمل .. المستقبل للإسلاميين 1437