في مجتمعنا اليمني هناك مثل يقول " رجلي والله ما طبَت، والثاني يدي والله ما قطفت" وهو يحكى قصة شخصين أدينا بسرقة "جهيش" أحد المزارعين ولما رأيا أن الأمر واقع بهما لكثرة الدلائل حولهما عمداً – عندما طلب منهما اليمنين لنفيا لتهمة عن نفسيهما - إلى طريقة إبداعية لكنها شيطانية، قام الأول بالقول حالفاً بالله أن رجله لم تطأ أرضية البستان، والأخر أقسم بالله أيضاً أن يده لم تقع على "جهيش" صدقهما القاضي عندما وجد يمينهما واضحاً لا لبس فيه، اتضح فيما بعد أن الرجلين ذاتهما من سرقا جهيش الرجل، لقد تبين أن السارقين عند سرقتهما قام أحدهما بحمل الآخر ليصل إلى سنابل الجهيش، فمن امتدت يده للجهيش أقسم بالله أن رجله لم تطأ مزرعة الرجل، ومن حمل الآخر أقسم بالله أن يده لم تمتد لسنابل الجهيش.
واستطاعا بهذه الحيلة أن ينفذا بجلديهما وقد كانا قاب قوسين أو أدنى من إدانتهما، حتى سارت قصتهما مثلاً للحيلة والدوران وافتعال الحيل حتى شاع المثل " رجلي والله ما طبَت، والثاني يدي والله ما قطفت".
من سيدقق في المثل سيدرك حجم الإبداع الذي استخدمه الرجلين في السعي لتبرأة نفسيهما من إدانة واضحة، لكنه إبداع في غير محله، نظراً لاستخدامه في طرق غير نظيفة الغرض منها إفساد المجتمع بجريمة السرقة.
قصة المثل فيها لفتة بأن التفكير مهم للإنسان في توليد الإبداع ، أياً كان هذا الإبداع، وفي المثل أيضاً لفتة بأن التفكير قد يكون وسيلة لغاية قذرة، وقد يكون سبيلاً لدروب من الشر المستفحل، وأعتقد أن الشواهد في هذا السياق كثيرة فقط لنتذكر لتلك الطرق التي يستخدمها المهربون في العالم لإيصال المنوعات لبلدانهم، طريق إبداعية مشينة لا تخطر على قلب بشر، من كان يتوقع أن مهرباً تفكيره دله إلى أن يهرب المخدرات داخل صفحات الكتب المغلفة، أو أن يهرب السلاح داخل أكياس الدقيق، أو أن يهرب السلاح في وسط كومة من الكوبش كما حدث في تعز قبل سنتين .
وفي الجانب الآخر لا شك بأن التفكير قد يعد أرقى سمة يتسم بها الإنسان الذي كرمه سبحانه وتعالى وميزه على غيره من سائر الكائنات الحية ولقد حث الله سبحانه وتعالى البشر على التفكير في الكثير من الآيات القرآنية وكرم العقل والعلم والعلماء وأن الأديان السماوية حثت على التفكير والإسلام أحد هذه الأديان الذي عد التفكير فريضة إسلامية وفريضة التفكير في القرآن تشمل العقل الإنساني بكامل ما احتواه من الوظائف بخصائصها جميعاً {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }الأنعام50
يحكى أن هناك شخصاً يعيش برجل واحدة والأخرى خسرها منذ أن كان صغيراً.. فبدأ يكيف حياته مع خسارته التي فرضت عليه، ووضع مكان رجله التي فقدها.. رجل أخرى مصنوعة من الخشب .. ولكنه لم يكن يعتمد عليها كثيراً.
وفي يوم من الأيام كان يمشي لوحده بجانب أحد الأنهار، فقابل رجلاً أعمى فقد نعمة البصر منذ ولادته تقابل الأعرج والأعمى عند شاطئ نهر، أراد الاثنان أن يعبرا ذلك النهر إلى ضفته الثانية حاول الأعرج عبور النهر ولكنه لم يستطع بسبب رجله الخشبية، وهناك خاطبه الأعمى قائلاً له: ما بك أيها الصديق؟
الأعرج: أريد العبور إلى الجهة الأخرى ولكن لا أستطيع.. وهنا قص الأعرج قصته إلى الأعمى
الأعمى: أنا أيضاً أريد العبور إلى الجهة الأخرى، ولكن كما ترى لا أستطيع أن أرى الطريق ..
فأراد الأعمى أن يخفف عن صديقه الأعرج فقال له: هون عليك يا صديقي، فأنا فقدت نعمة البصر منذ ولادتي .. ولم أشاهد النهر أصلا ً.
الأعرج: وما الحل، أنجلس هكذا نتبرم ساخطين؟ الأعمى: بل نحمد الله سبحانه وتعالى لأنه جعل لنا عقولاً نفكر بها وسوف نجد مخرجاً لهذه المشكلة بإذن الله، الأعرج: وكيف يكون ذلك .. أقصد ما الحل؟؟
الأعمى: نتعاون معاً، الأعرج: ماذا؟ ... كيف نتعاون معاً ؟ الأعمى: أنت برجل واحدة .. لا تستطيع بها عبور النهر وأنا مكفوف البصر ولم أشاهد النهر، ولا أعرف الطريق... ولكن إذا تعاونا معاً نستطع أن نعبر النهر.
الأعرج: لقد ضاق صدري بثرثرتك وأريد أن أعرف الحل حالاً،
الأعمى: حسناً، هدئ من روعك واستمع لي، الأعرج: كلي آذان صاغية، هيا أعطني الحل.
الأعمى: سوف أحملك على كتفي ونعبر النهر، فأنت ستكون عيني التي تدلني وتوجهني على الطريق، وأنا سأكون ساقيك التي تمشي بهما، الأعرج: والله إنها لفكرة رائعة، شكراً لك يا صديقي..
وهكذا عندما تعاون الصديقان الأعمى والأعرج، وقام أحدهما بالتفكير الهادئ والجاد استطاعا عبور النهر معاً بأمان، في قصتهما دليل على أن التفكير نعمة إلهية وهبها الله لبني البشر دون غيرهم من مخلوقاته وهو يمثل اعقد نوع من أشكال السلوك الإنساني، جعل الله تعالى الإنسان خليفته في الأرض وميزه بالعقل عن بقية المخلوقات وجعل عقله مدار التوافق وتحمل أعباء المسؤولية.
حثه على النظر في ملكوته بالتفكير وإعمال العقل والتدبير قال تعالى في سورة الرعد: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الرعد3
////////////
مروان المخلافي
بين إبداعين 1246