بوادر أزمة حقيقية في العلاقة البينية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي هي الأولى ربما في تاريخ المنطقة منذ أحداث حرب الخليج 1991م، ففي خطوة مفاجئة وغير متوقعة قررت دول خليجية ثلاث هي: ( السعودية والإمارات والبحرين ) سحب سفرائها وممثليها الدبلوماسيين من قطر كخطوة بررتها في بيانها المشترك بالحرص على وحدة الأمة وتماسكها بسبب عدم تطابق سياسات تلك الدول فيما بينها والخروج عن خط توجه مصالح دول مجلس التعاون وأمن المنطقة الأغنى في العالم.
إلا أن الناظر بعين الاعتبار عمقاً وغوصاً في تفاصيل الحدث يرى أبعادا أخرى تحمل إرهاصات وانعكاسات للآثار التي خلفتها موجة الربيع العربي التي اكتسحت المنطقة ولن تنأى بنفسها عن صياغة مستقبل الأنظمة في منطقة الخليج العربي.
بدء من اختلاف وجهات النظر بين أعضاء مجلس التعاون حيال ما يحدث في مصر وظهور مؤشرات انكسار الانقلاب ووصوله بمصر إلى مرحلة الإفلاس كما أعلن وصرح وزير الدفاع المصري الفريق/ عبد الفتاح السيسي بعظمة لسانه مؤخراً .
مؤشرات انكسار الانقلاب واضحة، فاستمرار الخروج والمظاهرات الرافضة للانقلاب تشكل تحدي كبير إمام سلطات مصر و وصول الحراك الداعم لشرعية الرئيس المعزول محمد مرسي إلى كل مدن وقرى مصر يمثل امتداد وغطاء شعبي عميق يعكس إصرار منقطع النظير للتمسك بالشرعية ورفض الانقلاب.
استقالة الحكومة إحدى هذه المؤشرات حتى وإن احتسبها بعض المحللين كخطوة تجميلية لوجه سلطات الانقلاب الغارقة في الدم ومصادرة شرعية الشعب وقمع حرياته وكبته وإيصاله إلى مرحلة الجوع والانهيار، إضافة إلى الإفلاس في الحصول على دعم واعتراف دبلوماسي وسياسي من أغلب دول العالم وهو ما دفع الرعاة الرسميين للانقلاب إلى التسول للحصول عن طريق الضغط على قطر للاعتراف بالانقلاب بعد أن حاولت الضغط مسبقاً على اليمن للاعتراف به وهو ما جعل الرئيس هادي يرسل تهنئة إلى سلطات الانقلاب إبان ثورة 30 يونيو المزعومة.
فشل الانقلاب وقرب إعلان سقوطه هو سبب ما يجري من تصعيد متبادل بين دول مجلس التعاون الخليجي إذ ترمي الدول الخليجية بالاتهام لدولة قطر وسياستها وقناة الجزيرة التي مثلت وعاء ناقل وداعم لثورات الربيع العربي وتركيزها على تغطية الأحداث في مصر وكشف حقيقة ما يجري هناك إلى محاولة عقاب دولة قطر لسياستها التي اختطتها منفردة في دعم نضالات شعوب المنطقة في نيل الحرية والتي اختتمتها القيادة القطرية بتسليم السلطة لجيل الشباب بدأت كمن يرمي بصخرة ضخمة إلى مياه الأنظمة المشيخية الآسنة.
تحدث المفكر الأمريكي الشهير (نعوم تشومسكي) عن مصادر مؤكدة عن وجود بوادر خلافات حادة داخل الأسرة الحاكمة السعودية مع وجود دلائل تثبت أن الملك السعودي أصبح مريضاً ولا يستطيع فهم ما يجري حولة إذ أنه لا يتحرك إلا مع فريق طبي متكامل للحفاظ على حياته لأيام قلائل وهو ما جعل الصراعات داخل أجنحة الحكم السعودي تتعاظم وهو ما يعكس التخبط الحاصل في السياسة الخارجية للمملكة وفقدانها البوصلة بما يخدم مصالحها إذ أن جيل الشباب في تلك الأسرة يريد الدفع بالحكم للارتماء أكثر في الخط الغربي والقرب أكثر من إسرائيل وساستها على أمل الحصول على الرضا الغربي وهو ما يبدو أكثر وضوحاً لدى جيل الشباب الحاكمين في الإمارات اليوم.
الكل أصبح يضع الرهان على تطورات المشهد في مصر سواء دول الربيع العربي، أو دول الخليج بشقيها الداعم لنضالات الشعوب أو الداعم للثورات المضادة في إعادة صياغة مستقبل المنطقة من جديد وبما فيها أنظمة الحكم في دول الخليج العربي التي لن تكون في منأى عن عواصف الربيع وهي تحاول تفادي موجة التغيير ولكن يبدو أنه لا جدوى في كل ما يقوم به الحكام هناك من دعم وتخطيط للثورات المضادة والذي سيصير هباء منثوراً في أيام عدة وها هي الثورة الأوكرانية تعاود الاشتعال من جديد وتطيح بالهيمنة الخارجية بعد عقد من انطلاقة الثورة البرتقالية لتقول أن لا عاصم لكم اليوم من أمر الله.
يوسف الدعاس
هل يطرق الربيع العربي أبواب الخليج؟ 1393