;
فهمي هويدي
فهمي هويدي

رياح الفوضى تهب على العالم العربي 1199

2014-07-04 17:21:16


تحت أعيننا ترسم الآن خرائط جديدة للشرق الأوسط، المرئي منها يتبنى سيناريو الفوضى.

(1)

سنحتاج إلى وقت لكى نعرف ما اذا كانت هناك علاقة بين الحاصل في العالم العربي الآن وبين السيناريوهات التي سمعنا بها من قبل. (الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الفوضى الخلاقة). وليس بمقدورنا أن نتبين دور قوى الخارج فيما يجرى. إلا أن ما يبدو لنا الآن أن إرهاصات الفوضى الحاصلة هي صناعة محلية في الغالب، صحيح أن تفكيك العراق ــ مثلا ــ تم بأيدٍ أمريكية منذ بدء الاحتلال عام 2003، حين تعامل الأمريكيون مع البلد ليس باعتباره وطنا للعراقيين ولكن بحسبانه مكانا تساكنت فيه الطوائف الثلاث السنة والشيعة والأكراد وآخرون، إلا أن أهل البلد حين أداروها فإنهم كرسوا التمزق وأقاموا الأسوار عالية بين الفئات الثلاث. وتحول الوطن إلى ساحة للقتال يشكل الموت عنوانا لها والقتل طقسا يوميا يمارسه الجميع بغير كلل أو ملل. حتى صرنا بإزاء حالة قصوى للفوضى، لا يقتل فيه المواطنون بغير حساب فحسب، ولكن يقتل فيه الوطن أيضا.

في عدد 20/6 من جريدة «الشرق الأوسط» جاء فيه أن 200 الف متطوع يتجمعون لقتال داعش، وان الوقف السنى في الجنوب اعلن عن تسجيل 5 آلاف متطوع من شباب أهل السنة وان ناطقا باسم ثورة عشائر العراق تتهيأ لدخول بغداد من محورين لإسقاط حكومة المالكي، في العدد ذاته أن مسعود برزانى رئيس إقليم كردستان اعلن انه سيجلب كل قوات البشمركة للحفاظ على كركوك والدفاع عنها، وان آلاف العوائل المسيحية في سهل نينوى نزحت إلى اربيل (الإقليم الكردى). ومن التعليقات المثيرة للانتباه ما كتبه الصحفي السعودي عبدالرحمن الراشد محذراً من أن داعش أصبحت الآن على حدود السعودية وتركيا والأردن، بعدما عبرت من العراق إلى سوريا، وإزالة الحدود بين البلدين وأقامت دولة نسبتها إلى الخلافة الإسلامية، وهى القرائن التي فصلت فيها مجلة تايم الأمريكية وعرضتها على 8 صفحات في عدد 20/6، الذى كان عنوان غلافه من كلمتين هما: «نهاية العراق». والكلمتان استعارة لعنوان كتاب صدر في عام 2006 للسياسي والدبلوماسي الأمريكي بيتر جاليبيرت، وقد تبنى فيه فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول سنية وشيعية وكردية. وهى الفكرة التي كانت متداولة في أوساط الخارجية الأمريكية.

(2)

الحاصل في العراق يعد نموذجا للفوضى التي نتحدث عنها، إذ الجديد فيه بعد احتلاله وتدميره أمران أولهما الزحف المفاجئ والتقدم المباغت لجماعة «داعش» وتحولها إلى لاعب رئيسي في الساحة السياسية، من حيث إنها بدت في جانب منها تعبيرا عن انتفاضة أهل السنة، وهو ما استنفر المرجع الشيعي آية الله السيد على السيستانى، فدعا إلى ما سماه «الجهاد الكفائى» وهو ما أعطى دفعة قوية لفكرة الحرب الطائفية. الأمر الثاني تمثل في الجهر بالدعوة إلى استقلال كردستان (الذى هو واقع من الناحية العملية والتلويح بورقة تقنين الوضع وإضفاء الصفة الرسمية عليه بإتمام الانفصال وهو ما شجعته إسرائيل ودافع عنه في العلن رئيس وزرائها ووزير خارجيته. ما حدث في العراق يعد هزيمة من الوزن الثقيل للسياسة الأمريكية. أسوأ من تلك التي منيت بها في أفغانستان التي بقيت فيها الدولة رغم كل ما جرى، لكن الدولة في العراق لم ينفرط عقدها فحسب، ولكنها صارت بابا لحرب طائفية تأتى على ما تبقى من استقرار في المنطقة. ذلك أن إعلان دولة سنية في العراق لا يفتح الباب لاندثار الدولة العراقية واستبدالها بحريق طائفي كبير فحسب، وإنما يمثل أيضا تمددا في الأراضي السورية وتهديدا بطرق أبواب الأردن والسعودية وقلقا في الكويت والبحرين، وإخلالا بالتوازنات الحاصلة في لبنان. ناهيك عن أنه يمثل ضربة للمشروع الإيراني وإفشالا لسياستها وتطلعاتها في الإقليم. وليس معروفا تأثير تلك الخطوة على الوضع الداخلي في سوريا، وإن كان من شأنه أن يقوى ساعد المجموعات الإسلامية التي تقاتل هناك، وأغلب الظن أنه سوف يفتح جبهة اشتباك إضافية مع ثوار الجيش السوري الحر. بما قد يخفف الضغط على نظام الأسد بصورة أو أخرى.

أما انفصال الإقليم الكردي، فالتداعيات المترتبة عليه لا تقل جسامة ولا خطرا. من ناحية لأن ضم كركوك والتمترس داخلها والاستعداد للقتال دفاعا عن إلحاقها بالإقليم الكردي يؤجج الصراع المسلح مع بغداد، ليس فقط لأن كركروك أحد معاقل تصدير النفط ولكن أيضا لأن المدينة لم تكن كردية يوما ما، ولكن الأغلبية الكردية لم تتوفر لها إلا بعد تهجير بعض سكانها الأصليين (العرب والتركمان) منها.

من ناحية أخرى فإن انفصال الإقليم وإقامة دولة مستقلة باسم كردستان، يثير العديد من الأسئلة حول موقف الأكراد في الدولة الأخرى المحيطة (العدد الكلى لهم بحدود 30 مليونا).

ومن المفارقات إن قضية الأكراد ليست عراقية في حقيقة الأمر، ولكنها تركية بالأساس حيث النسبة الأكبر منهم (أكثر من 15 مليونا) يقيمون في تركيا، وعددهم في إيران ستة ملايين، أي أنهم أكثر من أكراد العراق البالغ عددهم خمسة ملايين. وإلى جانب هؤلاء وهؤلاء فهناك مليونان من الأكراد في سوريا.

السؤال الأهم هو ما موقف الأكراد في الدول المجاورة؟ وكيف ستكون علاقتهم بالدولة الجديدة؟ وهل يمهد ظهور دولة كردستان لإعادة رسم خرائط المنطقة المحيطة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تقبل تركيا أو إيران بذلك. ذلك أنني أفهم مثلا أن الحكومة التركية على استعداد لدخول حرب تستمر مائة عام للاحتفاظ بالمنطقة الكردية ضمن أراضيها، إذ إن النسبة الأكبر منهم يعيشون في الأناضول، وهى منطقة المياه الوفيرة والزراعة التي تعتمد عليها تركيا.

احتمال إعادة رسم حدود دول الجوار لإقامة كردستان الكبرى ليس واردا في الأجل المنظور لأنه يفتح الباب لحروب في المنطقة لا حدود لها. لكن استقلال كردستان العراق لابد أن يكون له أثره على الأقل في توازنات الإقليم، الأمر الذى يمكن أن يكون له أثره في استمرار النزاعات الحدودية فيها.

(3)

خارج منطقة الشام تتفاوت مؤشرات الاستقرار والفوضى، فمصر تواجه مرحلة صعبة، جراء معاناتها من الأزمة السياسية والاقتصادية. فالمواجهة بين السلطة الجديدة وبين الإخوان ومعها جماعات الإسلام السياسي من ناحية، وبينها وبين جيل ثورة يناير 2011 لا تزال تلقى بظلالها على أجواء الاستقرار المنشودة، وقد واجهت السلطة الطرف الآخر بالأساليب الأمنية والمحاكمات التي قضت بإعدام أكثر من ألف شخص غير أحكام السجن والغرامة المشددة التي استهدفت شرائح واسعة من الشباب. في الوقت ذاته فإن الأزمة الاقتصادية الضاغطة التي اقترنت بتعثر عجلة الإنتاج بسبب عدم الاستقرار الأمني، من شأنها أن تحدث توترا اجتماعيا سوف يتزايد حيث يتم رفع الأسعار في الفترة المقبلة، نتيجة رفع الدعم وتعالى مؤشرات الغلاء. وحين يحدث ذلك في أجواء الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة فإن انعكاسه على الاستقرار الاجتماعي يظل موضع تساؤل.

نذر الفوضى أكثر وضوحا في اليمن الذى لم تستقر أوضاعه طوال الثلاث السنوات الماضية. فعناصر الثورة المضادة لم تتوقف عن محاولة إجهاض الثورة وتعطيل مسيرتها، ومصادر الاضطراب تتراوح بين دعوات الانفصال في الجنوب وعناصر القاعدة المستمرة في إنهاك الجيش والشرطة، والاشتباك مع الحوثيين في الشمال الذى ينفجر كل حين، والحاصل في السودان منذ انفصال الجنوب الذى لم يحقق له الاستقرار أدخل في طور آخر من القلاقل، وهى التي تراوحت بين أزمة السلطة والمعارضة في الخرطوم وطموحات الانفصال التي تراود البعض في دارفور وشرق السودان والنوبة.

نذر الفوضى لها صداها في المغرب أيضا، إذ بلغت تلك الفوضى ذروتها في ليبيا التي يلوح فيها شبح التقسيم مقترنا بالحزازات والصراعات القبلية، إضافة إلى أنشطة المجموعات المسلحة التي تعد جماعة أنصار الشريعة أبرزها، وليست معروفة نهاية الصراع القائم الآن بين بني غازي التي يتمترس فيها اللواء خليفة حفتر مؤيدا ببعض عناصر الجيش والرموز الموالية، وبين طرابلس حيث السلطة الشرعية ومقر ثوار 17 فبراير، وهو الصراع الذى تتداخل فيه النزاعات القبلية والجهوية مع التجاذبات بين الإسلاميين ومعارضيهم.

الوضع أفضل بصورة نسبية في بقية الدول المغاربية، ولا مفر من الإقرار بأن تونس تعد استثناء بين دول الربيع العربي، من حيث نجاح السلطة التي أفرزتها الثورة في الحفاظ على وتيرة الاستمرار وتجنب رياح الفوضى. ولا نستطيع الادعاء بأن تلك الرياح اختفت تماما، بل لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنها كامنة على الأقل. ذلك أن الصراع لا يزال قائما بين سلطة الثورة وبين غلاة السلفيين من ناحية وبين غلاة العلمانيين الراغبين في إفشال التجربة من ناحية ثانية. صحيح أن الأوضاع ليست مستقرة تماما في المغرب والجزائر وموريتانيا، إلا أننا نكاد نلمس أثراً لرياح الفوضى في محيطها.

(4)

إذا جاز لنا أن نعلق على تلك «اللوحة» فإننا نخلص منها إلى ملاحظات عدة في مقدمتها ما يلى:

• إن دور القوى الغربية في تحريك عوامل الفوضى ليس واضحا وليس مقطوعا به، رغم وجوده في الخلفيات والجذور (العراق مثلا). وإذا كان كثيرون يتحدثون عن تراجع الدور الأمريكي بشكل عام، إلا أن ذلك لا يعنى أنها خرجت من المنطقة لأن حضورها مستمر، ولكنه يعنى أن واشنطن وجدت أن تفاعلات العالم العربي لا تتعارض مع مصالحها في نهاية المطاف.

• إن ما يجرى في العالم العربي قدم أكبر خدمة لإسرائيل في الأجل المنظور، ذلك أن الصراعات العربية لم تؤد إلى تآكل وإضعاف بعض تلك الدول، ولكنه أيضا صرف الانتباه عن الخطر الإسرائيلي ومخططات الاستيطان والتهويد، وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأن إسرائيل هو الفائز الأكبر من الصراعات العربية.

• إن الانتكاسات التي واجهت ثورات الربيع العربي أمر مفهوم من زاوية الخبرة التاريخية، ذلك أن الثورات الكبرى استغرقت عشرات السنين قبل أن تتمكن وتستقر على الأرض.

• إن القوى الإقليمية العربية ليست بعيدة عن التفاعلات الحاصلة في دول الربيع العربي، وإنما كان لها دورها المؤثر في مساعي إجهاض الثورات التي نجحت وفى جهود مساندة قوة الثورة المضادة لكل صور الدعم السياسي والمالي والعسكري.

• إن الأطراف التي أسهمت في نذر الفوضى المخيمة (داعش وأنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس) لم تكن بعيدة عن نفوذ تلك القوى الإقليمية، وإنما كان لها دورها في تكوينها ودعمها في أطوار نشأتها، حتى انقلب السحر على الساحر في نهاية المطاف.

• إن تيارات الغلو والعنف المنسوب إلى الدين خرجت من عباءة الظلم والقهر والاستبداد، الأمر الذى يسلط الضوء على أهمية إفساح المجال لتيارات الوسطية والاعتدال، ويبرز في الوقت ذاته خطورة استهداف تلك التيارات الأخيرة، الأمر الذى يعد إسهاما غير مباشر في إفساح الطريق أمام تيارات الغلو وإطلاق العنان للفوضى.

إن ما يجرى الآن في العالم العربي إذا لم ينبهنا ويعيد إلينا الوعى والرشد فمتى يمكن أن نفيق إذن؟.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

ياسمين الربيع

2024-12-25 22:01:31

رهانُ الحزم..

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد