على الرغم من أن الوضع اليمني مضطرب ومقلق للغاية ولم يعد مطمئن لنا نحن اليمنيين وللأشقاء الذين يدعون ذلك, ورغم المد والجزر الذي تشهده العملية السياسية في البلد والتناحر (المحموم) بين فرقا السياسية, إلا أني وجدت ذاتي مجبرا على الانتشاء فرحا والرقص طربا حينما تبادر إلى مسامعي (النصر) المؤزر (لغزة) العزة بعد أن تجرعت المرار والألم طوال تلك الأشهر الماضية من قبل العدو الصهيوني..
وارتسمت السعادة على محياي وامتطت الابتسامة شفتاي وتهللت أساريري فرحة وسعادة بما حققه الفلسطينيون من نصر للكرامة والإنسانية والعروبة المندثرة, وبما كبدو العدو من خسائر في الأرواح والممتلكات ناهيك عن الحالة النفسية والهستيرية التي كان يعيشها العدو الصهيوني طيلة أيام الحرب الغير متكافئة في العدة والعتاد..
انتصرت غزة أولا لذاتها التي لم تقبل بالذل والمهانة التي رضيت العروبة أن تتقوقع بداخلها ولم تبارحها منذ الأزل فوضعهم الغرب تحت النعال وبات هو المتحكم بشؤون بلدانهم وشعوبهم واقتصادهم وحتى حياتهم الشخصية, ولم يعد بإمكانهم التخلص من هذه الهيمنة والتبعية التي فرضتها عليهم دول الغرب مقابل عرض من الدنيا قليل, وإهدار كرامتهم مقابل المال وشراء ذممهم وولاءاتهم وتبعيتهم, ليصلوا إلى الحالة التي هم عليها اليوم..
غزة انتصرت لأبطالها الذين حملوا أكفانهم على أكفهم وساروا بخطى حثيثة نحو الموت غير مبالين ولا مكترثين بأرواحهم وحياتهم, فالذود عن الأرض والعرض لا يقبل التهاون والتخاذل والتكاسل ومن أجله يقدم الشرفاء الغالي والنفيس, فبثت شجاعتهم وبسالتهم ورجولتهم الرعب في دواخل العدو رغم عدم ذلك التكافؤ في العدة والعتاد وحتى في الإمكانيات بل وفي التأييد من قبل المجتمع الدولي الذي كان يحسب الف حساب لأبطال نذرو أرواحهم وحياتهم في سبيل أن تتحرر أوطانهم وشعوبهم وفي سبيل أن تعتق (عروبة) من يدعون العروبة وهم أجساد محنطة وأصنام واقفة..
انتصرت غزة لأطفالها الذين تناثرت أجسادهم وتمزقت أوصالهم وسالت دماؤهم بفعل آلة الحرب الصهيونية التي لم تفرق بين كبير وصغير بين طفل وشاب, بل كانت تقصف بهمجية وعشوائية وعبثية (مسخة),همها أن تقتل الحرث والنسل وأن تبيد العروبة الفلسطينية التي لا يزال بعض العرب يفاخرون بها وهم ليسوا منها في شيء, ولن يكونوا منها لانهم ببساطة تلذذوا بدماء الأطفال وبأشلائهم المتناثرة وأوصالهم الممزقة التي لم يكن في تناثرها وتمزقها إلا حياة لآخرين وانبعاث لأبطال صامدين أنجبهم ذلك الخوف الذي حاول (الصهاينة) أن يخلقوها ولكن أنى لهم هذا..
غزة انتصرت لتؤكد للكل وبما لا يدع مجالا للشك أن أحفاد صلاح الدين الصادقين مع الله لم تبدل الأيام عروبتهم ولم (تميّع) الأموال أوصالهم, ولم تشتري الملايين ذممهم, وليؤكدوا أنهم لا يكترثون البتة (بفزاعات) الصهاينة أو آلة حربهم, ولا يبالون بتخاذل العروبة (الهلامية) أو نصرتها, فهم بالله ثم بعزيمتهم التي ارتشفوها من منابر الأقصى الشريف ومن سيرة أسلافهم الذين هزوا عروش الغرب ودكوا مماليكهم ودمروا بنياتهم..
هنيئا لغزة وفلسطين هذا النصر ليس على الصهاينة فقط بل على كل من شكك في (رجولتهم) وصلابتهم وقوتهم, ولكل من اكتفى بأن يلزم ( خدرة) كعذراء تنتظر عريسها ولم ينطق ببنت شفة أو يحرك قيد أنملة..
فهد علي البرشاء
غزة انتصرت..! 1222