لايزال الرجل ينفش ريشه ويتبجح في زهو وفخر وتعالٍ, يلوح تارة بيده, وتارة يرسم ابتسامة تخفي شيئاً من الكبرياء لكل الحاضرين حوله, يوزع ابتساماته التي عرفها الشعب منذ أن تربع كرسي الحكم ولم يبارحه, وأستأثر به هو وحاشيته وأهله وكل من ينفذ أوامره ويطيع تعليماته دون اعتراض أو نقاش..
في كل لقاءاته وحفلاته ومجالسه يظهر بمظهر ذلك القوي الذي يجاهد نفسه أن لا يرى الآخرين انكساره وحسرته وعويل دواخله على (كرسي العرش) الذي سلبته أيادي الشباب من تحته وتركته يتخبط دون هداية أو معرفة..
لم يستوعب بعد الرجل أنه بات ماضياً لا يتمنى أحد أن يتذكره أو يتذكر فصول حكمه التي ذاق فيها الشعب الويل والثبور وعظائم الأمور وتجرع المرار بشتى صنوفه وكؤوسه, أو أنه لا يريد أن ينظر إليه الآخرين وهو في حال الإنسان العادي الذي سلب منه كل شيء وجرد من كل شيء ولم تشفعه له ألاعيبه وخططه ومكائده ودسائسه, وكل الترسانة القبلية والولاءات التي أشتراها ممن باعوا ذممهم وضمائرهم مقابل (حفنات) من التراب, وبات الزعيم هو الوطن والوطن لا شيء دون الزعيم في مذاهبهم ومعتقداتهم..
الزعيم كما يحب أن يلقبه أتباعه ومن يقدسونه ويتغنون باسمه وبطولاته, لم يدرك بعد أن عقارب الساعة لن تعود للخلف وأن عجلة الزمان لن تدور عكس التيار أو تعود أيامه ولياليه وبطولاته وماضيه مهما فعل المخربون ومهما عاث في الوطن فساد العابثون الذين لا يهمهم أن تقوم لهذا الوطن قائمة أو ترفع له رأيه بقدر ما يهمهم ابتسامتك ورضاك عنهم وأستلام مكافئات تخريبهم وعبثهم بالوطن ومصالح الشعب..
فكفاك تبجحاً, وكفاك غروراً, فأنت بواد والوطن بواد, وأنت لا زلت تعيش أيام المجد المصطنعة والبطولات البائدة, وأعلم أن الوطن أحوج ما يكون اليوم لاصطفاف أبنائه وتكاتفهم وتضافر جهودهم وتعاضد سواعدهم وتوحد قواهم, ليرتقي ويزدهر ويسمو ويعلو ويتطور ويواكب ركب التطور ويلحق بتلك الدول التي ترفعت عن سفاسف الأمور وصغائر الأشياء..
أعلم أن الوطن الذي منحك بالأمس كل شيء دون أن يبخل عليك بشيء وأخذت أنت منه كل شيء ولم تبقِ له ولأبنائه أي شيء يلفظ كل من يتنكر له ولا يبق في جوفه أحد مهما علا شأنه وذاع صيته وتقدس سره, ويلقي به إلى مكان سحيق أو يهوي به إلى الحضيض..
كفاك أنت وأبواقك الإعلامية نهشا في جسد هذا الوطن وكفاك ضحك على ذقون البسطاء الذين لم تعد تنطلي عليهم خططكم ودسائسكم ومكائدكم وما ترمي إليه محاولاتكم الفاشلة التي تهدف إلى شق الصف وإشعال فتيل الأزمة فيما بين أبناء الشعب وتحويل الوطن إلى مربع عنف تزهق فيه الأرواح وتسفك فيه الدماء وتستنزف وتنهب فيه الخيرات والثروات..
ثم ألم تمل بعد من تلك الضجة الإعلامية التي صنعها لك إعلامك المأجور حول نفق (الموت) كما يحلو لك ولأتباعك ان تسموه, وأعطيتموه حجما لا يستحق ومكانة لا يستحقها البته والكل يعلم من أوجده ومن أفتعله في هذا التوقيت الحرج الذي يمر به الوطن, وهذا المنعطف التاريخي الهام الذي تشهده البلاد..
ثم دعني أسألك أنت وأعلامك وأتباعك ألا تستحق تلك الجماجم التي سقطت, وتلك الأرواح التي أزهقت, وتلك الدماء سفكت, وتلك الأجساد التي مزقت وتناثرت أن تحظى بأقل القليل من وقت إعلامكم؟ أم أنها لا تساوي شيء بالنسبة لك ولأتباعك..؟
تذكر أنت وأعلامك الذي (صم) آذاننا بتلك التقارير الجوفاء وتلك المشاهد (المكررة) التي لا تخلوا من الزيف والكذب والدجل كم أرواح أزهقت في شتى مناطق ومحافظات الوطن, وكم من أسر شردت ودمرت منازلها وحياتها بفعل سياساتكم ومناكفاتكم السياسية التي خلفتموها للوطن والشعب..
أعلم جيدا أن (نفق الموت) الذي لايزال إعلامك يهذي به ليل نهار والذي لايزال المهنئون يتوافدون من أجله لا يساوي قطرة دم سفكت في (المعجلة) بأبين أو يساوي (نهدت) مظلوم نزح عن منزله, أو يساوي دمعة أم ثكلى في الضالع, أو يساوي صرخة أب مكلوم في جمعة الكرامة بصنعاء, أو يساوي نظرة طفل تائه يبحث عن وطن عبثتم به أنتم وسياستكم القذرة..
وأخجل أنت وإعلامك من حال الفرح واللا مبالاة التي تعيشونها والوطن يمر بمشاكل جمة وظروف حالكة وصعبة جدا, واستشعروا حالة الضياع التي يعيشها الوطن والمواطن, ولا داعي لتلك المشاهد اليومية والتقارير الإعلامية التي أصابتنا (بالرمد) ونحن نطالع إعلامكم الذي لم يجد في هذا الوطن رغم اتساعه شيئاً يستحق الاهتمام غير (نفق) الموت وحياة الزعيم..
فهد علي البرشاء
أنت بوادٍ والوطن بواد!! 1259