دعونا نغوص في تفاصيل الحدث الأهم: من الذي أوصل الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلد إلى هذا المستوى من الاحتقان؛ حصار صنعاء بدا نتيجة طبيعية لتجميد الدولة ووظائفها وغيابها عن دورها تجاه, ما حدث ابتداءً من دماج، وعمران وما يحدث الآن في الجوف ولا يزال وزير الدفاع الذي تستهلك وزارته ما يقدر بـ " 40" % من الموازنة العامة للدولة في مربع الحياد أمام صراعات الجماعات المسلحة كما يدعي.
لتفترض جدلاً صحة ادعاء محمد ناصر احمد بأن الصراع هو صراع جماعات مسلحة فيما بينها، فمن هو المسئول الأول عن ترك هذه الجماعات تتصارع فيما بينها؟ ومن الذي سمح لها بالقتال لولا الغياب المخزي والمفضوح للدولة وبما ينفي مبدأ الحياد الذي يتحدث عنه وزير الدفاع الذي لو وجدت دولة مسئولة لكان الآن في قفص المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتفريط بالقسم الذي أداه حين تولى المنصب وهو يغيب عن كل ما يجري اليوم في صنعاء، و هو من سمح للعصابات المسلحة للوصول إلى شوارع صنعاء- عاصمة اليمنيين- وهي تحكم في الآن بالأحكام العرفية بصعدة وعمران كبديل عن الدولة بالقوة وقتلت الجنود ونكلت بقائد عسكري كبير ونهبت معسكراً من أقوى المعسكرات.
وهذا كله تحت سمع وبصر وزير الحياد المكتفي بتشييع جثامين شهداء الجيش والأمن إلى المثوى الأخير ولو صدق الرئيس هادي بتحركاته لحفظ البلد لبادر بإقالة وزير الدفاع بأسرع وقت ممكن في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه رغم صعوبة تحركات اللحظات الأخيرة .
ليست المشكلة بعصابات الحوثي رغم خطورة مشروعها وارتهانها للخارج واستغلالها لمعاناة الشعب في تمرير أهدافها المعلنة والغير معلنة, ولكن جوهر المشكلة يكمن في غياب أو تغييب وجود الدولة ودورها ولو لم يكن هناك جماعة مسلحة كجماعة الحوثي لظهرت جماعات أخرى من عصابات الشوارع وقطاع الطرق ليقوموا بدور الدولة الغائب وتنفيذ سلطة بديلة ولسنا بعيدين عما جرى في بلاد الأندلس بعد سقوط الخلافة الإسلامية, حيث شكل العاطلون عن العمل والفقراء والصعاليك عصابات قامت بدور الدولة وارتكبت مجازر مروعة وصلت حد قتل ولاة الدولة الضعيفة التي كانت قائمة آنذاك، وتتكرر المشاهد وأحداث التاريخ لتعيد نفسها، واليوم تتلخص مشكلة اليمن الحقيقية بغياب الدولة وحضورها المطلوب والذي ساعد الرئيس هادي على إضعافها وتجميد عمل المؤسسات من وزارات ورئاسة حكومة, حيث اكتفى بدوره بإرسال لجان الوساطة بدلاً من قيام المؤسسات بدورها كلاً حسب اختصاصها، وليأتي الرئيس هادي بمبادرة تلتف على التسوية السياسية وتهدف مبررات وجودها بتجاوز التوافق من اجل تكريس صلاحيات اكثر بيده.
ومن هنا فإننا نوافق على ما ذكره الشيخ حميد الأحمر بمنشوره الأخير على حائطه بالفيس بوك عن مبادرة الرئيس (التي تنسف شرعية المؤسسات القائمة بما فيها مؤسسة الرئاسة) وهو ما يعني ضمناً الضيق بممارسات الرئيس هادي والذي يحاول الالتفاف على جميع القوى والتي حتى الآن لم تظهر موقفها من ابتزاز مؤسسة الرئاسة بالالتفاف على الثورة وعودة البلد إلى ما قبل ثورة الشباب السلمية مطلع العام 2011م.
كل تلك التحديات والمخاطر التي وصلت إليها البلد يتحملها الرئيس هادي بالدرجة الأولى وسيكون محاسباً أمام الشعب؛ إما عاجلاً أو آجلاً و الذي بسياسته وتباطؤ اتخاذ القرار لديه أظهر عدم استيعابه لخطورة الوضع حتى الآن وهو من يقوم بإجراءات ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع, فغّيب الدولة بدايةً من دماج بالسماح بتهجير سكانها من منازلهم حيث مثلت تلك العملية أولى خطوات نسف مبدأ الدولة والمواطنة من أساسها ثم ترك عمران وسلمها للعصابات والتي بسقوطها سقط الحزام الأمني الشمالي للعاصمة الذي كان العميد القشيبي ومعسكره يحمي مؤخرة العاصمة صنعاء والذي تركها هادي بسياسته وسياسة بطانته الفاسدة بدون أي حماية عارية إلا من إرادة صلبة لأبنائها بعدم السماح بتكرار ما حدث بعمران في صنعاء وهو الآن يترك الجوف تصارع التمرد بجهود رجالها وبعض من الجنود المخلصين مجردين من كل أشكال الدعم العسكري بما يضع أكثر من علامة استفهام على ممارسات الرئيس هادي الذي سيكشفها الوقت مهما أخفاها وستظهر أمام الملأ وهو من لم يكلف نفسه حتى استدعاء الألوية العسكرية المرابطة في أماكن الاستقرار لإعادة توزيعها إلى مناطق التمرد رغم رسائل الاصطفاف الوطني الذي تؤيد إجراءات الدولة في بسط نفوذها .
اليمن يمر بمرحلة تاريخية مفصلية وعلى الرجال المخلصين التقاط الفرصة وأعني هنا قوى الثورة بأن عليها إعادة التموضع من جديد والابتعاد عن ملعب هادي المفخخ والضغط بقوة على الرئيس بعدم ابتزاز البلد أكثر الذي بات على شفا الانزلاق إلى الهاوية وعدم الالتفات والثقة بالرئيس هادي مستقبلاً الذي فوت على اليمنيين فرصة تاريخية بتطبيق مخرجات الحوار وتصحيح السجل الانتخابي والترتيب لانتخابات نيابية ورئاسية نزيهة بدلاً من ترك البلد مسرحاً للعصابات المسلحة من أجل التمديد وإدارة البلد بالأزمات لحصد مكاسب سياسية على حساب مستقبل البلد.
يوسف الدعاس
حصار صنعاء ومسؤولية الرئيس 1320