في الشوارع .. في المقاهي.. في الملاعب.. في المقايل.. أينما يممت وجهك.. تجد الكل يتحدثون عن وضع البلاد وما آلت إليه بعد أن أغمد المتناكفون والمتناحرون خناجرهم في صدره, وبعد أن حولوه لساحة لتصفية حساباتهم ومسرح لممارسة "عهرهم" السياسي والفكري الذي لا يتعدى الحقد والحقد المضاد, وإصابة الآخر بمقتل, دون الاكتراث أو الاهتمام بوضع الوطن وما سيئول إليه حاله وأحواله..
كل شيء في هذا الوطن بات يجبر الكل على الاشتغال والتفكير فيه ليل نهار بتفاصيله (وتحليله) كل حسب فهمه ومعرفته وقراءته للواقع, فالخوف من أن يغدو الوطن في خبر كان ومربع عنف تدار فيه الحروب والاقتتال والتدمير والتنكيل وفرض المذاهب والأفكار والمعتقدات والسياسيات هو الشغل الشاغل والهاجس الذي أرق اليمنين وقض مضاجعهم..
فلا تمر لحظة أو برهة إلا وللسياسة في حياة المواطنين على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم حيز كبي, ليس لانهم يعشقون السياسة أو يهوون التحدث فيها ولكن لان الواقع فرضها لتكون جزءاً لا يتجزأ من حياتهم, ومن الصعب الخلاص منها أو تجاهلها طالما والساسة (اللئام) يفرضونها بقذارتهم وأحقادهم (وخساستهم) لتغدوا هما جاثما على صدور البسطاء في حلهم وترحالهم وحتى في (أحلامهم) الغضة البريئة التي لا تتعدى (كسرة) خبز (يابسة) أو (شربة) ماء تطفئ لهيب ظمأهم..
ولم يدرك بعد (الساسة) أن البسطاء من شعبهم قد أنهكهم (التفكير) وشتت أذهانهم (كثرة) الحديث عن كل شاردة وواردة في هذا الوطن الذي لا يعني (المتناحرين) أمنه وأمانه وراحة وسكينة شعبه, وقد سلب الخوف والتوجس والوجل الكثير من سعادتهم المصطنعة وسكينتهم (الهشة) بفعل الفاعلين المتناحرين ليل نهار على (حطام) الدنيا وأديمها..
وفي اعتقادي أنهم لن يدركوا هذا إلا بعد أن يغدو الوطن ( أطلال) وطن ( وأثراً ) بعد عين وبعد أن نبحث عنه في حطام وركام القتل والتناحر والتباغض والعداء السياسي والمذهبي والطائفي والشخصي, وفي فضاءات النحيب والأنين, وفي مقل اليتامى والجائعين , وفي نحيب الثكالى والمكلومين, وفي براءة من ( عرتهم ) السياسية وسلبتهم طفولتهم (وحرمتهم ) من أقل القليل من حقوقهم التي لم تكترث لها ( ألباب ) هؤلاء الذين لم ( تهز ) كيانهم دمعة طفل فقد أباه أو أم فُجعت بأبنها..
فمتى سيكتفي الساسة ويدركون أننا لم نعد قادرين على تحمل مزيد من العبث والفساد والتناكف والعداء فيما بينهم, ولم نعد قادرين على رؤية مزيد من الدماء تسفك, والمزيد من الأجساد تتناثر وتتمزق, والمزيد من التفكير الذي أذهب عنا الراحة والسكينة وقض مضاجعنا..
متى سيدرك هؤلاء أننا لا نكترث بمكايداتهم ومشاكلهم وأننا نبحث عن وطن آمن مستقر (هادئ) بعيدا عن معمعة أفكارهم وأحقادهم ودسائسهم..
فكفاكم فوضى وعبثية بمسميات كاذبة زائفة ندرك باطنها وظاهرها, وندرك زيفها وتسويفها, وندرك أنها لا تحمل خوفاً على الوطن أو حرصاً على المواطن.. كفاكم ومدوا أيديكم لبعضكم من أجل الوطن والشعب وأتقو يوماً تُرجعون فيه إلى الله..