السويد بلد الديمقراطية المثلى والحرية التي تفيض عن حاجة أهلها. وبلد كهذا لابد أن يتحسر أبناؤه ويألمون لشعوب لا تتمتع حتى بالحد الأدنى من الحرية. ولهذا لم تكن غريبة ولا مفاجئة تلك الخطوة التي اتخذتها الحكومة السويدية بالاعتراف الناجز بالدولة الفلسطينية. ربما تأخرت الخطوة كثيراً ولكنها تستحق التقدير والإشادة، والأمل أن تتبعها مواقف مماثلة من بقية الدول الأوروبية التي بدأت تشعر بوطأة الندم تجاه ما جرى ويجري للشعب العربي الفلسطيني على أيدي عتاة الصهيونية وجلاّديها، أولئك الذين لا يعرفون سوى لغة واحدة هي لغة القتل والتدمير والإبادة . وسيكون من المهم جداً تجسيد هذا الاعتراف إلى دولة حقيقية على الواقع وأن تتلقف الدول العربية هذه الخطوة من السويد بمزيد من التقارب والتعاون الاقتصادي والعلمي، وأن تتحقق أقوى العلاقات مع هذا البلد الذي يعيش أبناؤه في سقف الدنيا بعيداً عن الحروب العدوانية والمنازعات على مناطق النفوذ خلافاً لكثير من الدول الأوروبية وغيرها من الدول ذات التاريخ الاستعماري البشع .
لم أسعد بزيارة السويد وإن كنت في رحلة صيفية يعود تاريخها إلى منتصف الستينات من القرن الماضي قد اقتربت من الشاطئ الجنوبي للسويد، ولمحت من بعيد، مدى ما أنعم الله على هذا البلد من فيوض الجمال التي لا تخص أرضه فقط بل ينعكس اخضرارها وأنداؤها على السماء فتأخذ اللون الأخضر بدلاً عن اللون الأزرق . كما أُتيحت لي فرصة سعيدة للتعرف إلى واحد من كبار الأساتذة في جامعاتها، حين جاءنا أستاذاً زائراً إلى جامعة صنعاء، ووجدت أنه يجيد اللغة العربية أفضل مني ومن سائر الأساتذة في قسم اللغة العربية بكلية الآداب . وكان قد اختار لنفسه اسماً عربياً تراثياً يعود لأحد أئمة اللغة العربية. كما كان يتباهى -وهو على حق- بأنه واحد من المستشرقين القلائل الذين قرأوا التراث العربي وتعمقوا في فهمه أكثر من أصحاب هذا التراث، وأن له كتباً وأبحاثاً ومقالات عن العربية والعرب أغلبها بالسويدية والقليل منها فقط مكتوب باللغة العربية.
ونعود إلى موضوع الاعتراف لنقول: إنه آن الأوان للغرب الذي تجاهل المأساة الفلسطينية وأسهم في التمكين للكيان الصهيوني من البقاء ومواصلة العدوان وإطالة زمن الاغتصاب أن يكفّر عن ذنبه وأن يتذكر ساسته مدى المعاناة التي لحقت بالأشقاء الفلسطينيين رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً. وأن يتذكروا كذلك ما صنعته المأساة من ردود أفعال في الوطن العربي والعالم الإسلامي وما يعتمل في نفوس الأجيال الجديدة من غضب يخرج ببعضهم عن الطوق ويقودهم إلى اتخاذ مواقف انتحارية ما كان لهم أن يتخذوها لو أن الدول المساندة للعدو الصهيوني قد أدركت خطأها الفادح منذ وقت مبكر، وعملت بوحي مما تدّعيه من حرص على الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان .
ومن المؤكد أن ميزان العدل لن يستقيم قبل أن تتوقف فصول المأساة التي تجري على الأرض العربية الفلسطينية وعلى مرأى ومسمع من العالم كله . كما أن البشرية لن تهنأ بالسلام ما بقيت أجزاء في هذا الكوكب الأرضي تعاني الاحتلال والاستيطان والقهر واستلاب الحقوق . والمثير للأسى أن الدول الكبرى التي تقع على عاتقها مسؤولية استتباب الأمن والسلام في العالم ترى مصلحتها في إثارة المزيد من الاضطرابات والحروب واستعداء الشعوب على بعضها لتكون هي الحكم والمرجع وهو ما بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة . وما طبول الحرب التي تدق الآن وتملأ أحاديثها صفحات الشاشات الصغيرة والصحف إلاّ المثال الأبرز والفاضح لتلك النوايا التي تبيّتها الدول الكبرى لهذا العالم البائس والحزين.
الخليج الإماراتية
د/عبد العزيز المقالح
شكراً للشعب السويدي الصديق 1400