العهر المعتق نبع الرذيلة العلنية
كان عنوان هذا التحليل مختلفاً, لكنني- وقبل نشر هذا الجزء- وردني مقال نشر في دورية أميركية اسمها الضربة – أو اللكمة - المضادة (Counter Punch) التي يحررها الكاتب المشهور جون بليجر أرسله الصديق بصراوي ويحمل عنوانا اعترضت عليه قبل قراءة المقال وهو (الرقص في الظلام: التانغو الأميركي الإيراني) لأن الرقص الأميركي الإيراني لم يعد سريا ولا كلاسيكيا (تانغو) بل أصبح خليعا ووقحاً لدرجة أنه يعرض في أكثر البرامج عهرا في عصر ما بعد الحرب الباردة وهو برنامج (ستار أكاديمي) الصهيوني المعد أصلا لنشر الرذيلة من أوقح أبوابها : كسر حاجز الخجل لدى مليارات البشر خصوصا العرب والمسلمين!
لذلك فوصف الرقص في الظلام غير صحيح لأننا مع مليارات البشر نراه في (ستار اكاديمي تمارس أثنائه أميركا وإيران كافة أنواع العهر الشاذ والطبيعي بفخر وعلانية غير مسبوقة، كما أن رقصة التانغو تعد من الرقصات الراقية في الغرب وليست من نوع الرقص الخليع في عصر (ما بعد الأخلاق)، اليوم أميركا تراقص إيران بحركات عنيفة ووحشية وتمارسان الفحشاء بالصوت والصورة وتكشف كل ما كان مخفيا، فنرى ملالي إيران ومحافظي أميركا الجدد بلا ملابس وتجردوا حتى من ورقة التوت في طقس شيطاني دموي جماعي رهيب لا تكتمل عناصره إلا بسفح الدم العربي والتمرغ في القاذورات.
ولهذا السبب استخدمت عنوانا لأحد مقالاتي السابقة هو (أميركا وإيران الانتقال من زواج المتعة إلى الزواج الكاثوليكي) يصف العلاقة بين أميركا وإيران بأنها انتقال من زواج المتعة المستتر وغير الرسمي إلى الزواج الكاثوليكي الرسمي والدائم ويقدم الشواهد التي تثبت تلك الإنتقالة التاريخية.. أليس هذا ما نراه في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان وسط دهشة الناس الذين لم يكونوا يتصورون أن ملالي إيران ومحافظي أميركا يمكن أن ينحدروا إلى مستوى الرقص الخليع فوق جثث ملايين العرب الذي يشاهده مليارات البشر؟!
في هذا التحليل الموسع سأحاول تسليط الأضواء على مرة أخرى ومن زوايا أخرى مختلفة أو مكملة لما كتبت في السنوات الأخيرة في توضيح حقيقة ما يجري. وسوف أطرح أسئلة وأجيب عليها وهي أسئلة وصلني بعضها أو قرأت بعضها الآخر أو اشتق قسم منها من بطون الحدث الغامض نوعا ما.
السؤال الأول: ما هو القاسم المشترك بين ما يجري في الأقطار العربية؟ قبل كل شيء يجب التذكير بما جرى وبما يجري الآن كي نصل إلى تصور كامل:
1 – العراق : بعد حوالي 12 عاما على غزو العراق مازال العراق يواجه التدمير المنظم للبشر والعمران بلا توقف وفي أجواء عجز كل العراقيين عن إنهاء الكارثة، والسبب المباشر هو فقدان قوة الردع المركزية القادرة على فرض هيبة الدولة وإنهاء حكم الميليشيات وهي القوات المسلحة الوطنية.
ولهذا فإن أول مفاتيح فهم ما يجري بصواب هو طرح السؤال التالي: لو لم تحل القوات المسلحة هل كانت مجازر العراق ستستمر طوال 12 عاما أم أن وجود الجيش وقوى الأمن وتحت أي نظام عراقي سوف يضمن القضاء على الفوضى الإرهابية بسرعة؟
تذكروا ما لا يجب نسيانه أبدا: أميركا تبشر وبإصرار بانتهاء العراق وزواله وهذا ليس هذيان سكير بل هو قرار استراتيجي لذلك فتنفيذه يتطلب أول ما يتطلب إنهاء القوة التي تمنع انتشار الفوضى وزوال الدولة أو فشلها وهي الجيش الوطني.
إذن لا تصغوا لمن يقول إن حل الجيش العراقي كان خطأ غير مقصود وإن أميركا كانت تتخبط ولا تعرف ماذا تفعل، أميركا كانت تعرف ما تفعل بدقة وحلت الجيش لأن الحل هو الشرط المسبق لنشر الفوضى الهلاكة في العراق.
2 – في سوريا يتكرر ما يحصل في العراق: مئات السوريين يقتلون يوميا والمدن تدمر واحدة بعد الأخرى ثم يعاد التدمير بحيث تفوقت سوريا على العراق في الدمار العمراني!
شرد أكثر من أربعة ملايين سوري من ديارهم.. الجيش السوري تفكك وصار جيوشا منها ما هو تابع للنظام ومنها ما هو تابع للمعارضة مع وجود تنظيمات مسلحة بالعشرات تتقاسم السيطرة المناطقية وتخلق مناطق منعزلة ومستقلة مما يسمح بتواصل الحرب الأهلية وعجز كافة الأطراف الداخلية عن وضع حد لها.
كارثة سوريا بدأت باستيلاء حافظ أسد على الحكم فلو بقي الجيش السوري وطنيا كما كان أصلا قبل تحويله من قبل حافظ أسد إلى جيش النظام والطائفة هل كانت سوريا سوف تدخل عنق الموت البالغ الضيق الحالي؟ تحويل الجيش من جيش وطني إلى جيش نظام وطائفة افقده صفته الوطنية وجعله أحد أخطر الأطراف المتقاتلة والمتوازنة القوة، ولذلك فإنه بدل أن يحمي الدولة والشعب من التمزق كان أداة فاعلة في الشرذمة الطائفية والمناطقية ونشر العداء بين أبناء الشعب.
3- اليمن: منذ عام الشؤم والبلاء 2011 تواجه اليمن مثل باقي الأقطار العربية كارثة تفكك الدولة التي كانت نامية وتتقدم ببطء لتخرج من القرون الوسطى ولكنها ما أن وضعت قدمها على عتبة القرن الحادي والعشرين، بفضل الاقتدار القيادي للرئيس علي عبدالله صالح وطغيان نفوذه على نفوذ شيوخ القبائل، حتى جاءت كارثة الفوضى الهلاكة في عام 2011 وقام التدخل الدولي بوضع قواعد تفكك الدولة .
فبعد ان تمزق الحكم وانقسمت القبائل والأحزاب واستقال الرئيس صالح الذي ضمن استقرار ووحدة اليمن اكثر من ثلاثة عقود بدأت رحلة تفكيك اليمن وتقسيمه وتشريد اهله وزيادة الجوعى والمحرومين .
هنا نحن لا ندافع عن نظام أو شخص بل ننطلق من معرفة دقيقة بحالة اليمن العامة - عشت في اليمن ثمانية أعوام - فنحن نعرف بان الفساد والمحسوبية منتشرة في اليمن قبل علي عبدالله صالح وبعده ، في المعارضة وفي الحكم سابقا وحاليا، وهي ظاهرة تكوينية وليست سياسية أصلا، فرضت نفسها وقواعدها على النظام وليس العكس كما حصل في سوريا عندما نشر حافظ أسد الفساد والمحسوبية الطائفية والمناطقية في الجيش والمجتمع وفقا لخطة محكمة كانت لديه لضمان السيطرة والانفراد بالحكم .
وبناء عليه يجب الاعتراف بالدور التنويري للرئيس علي عبدالله صالح بصفته ظاهرة تقدمية حيث انه وتحت قيادته انتقلت اليمن من القرون الوسطى إلى العصر الحديث ففي يمن الإمامة كانت صنعاء تغلق أسوارها مع مغيب الشمس حتى الستينيات من القرن الماضي أما في عهد صالح فقد أصبحت صنعاء تزخر بكل مظاهر العصر الحديث من أجهزة ومعدات وملبس ومأكل ووسائل اتصال ..الخ, وهذا بحد ذاته إنجاز كبير وتاريخي . ولعل من اهم إنجازاته في اطار هذا الانتقال التاريخي التي أقلقت اطراف كثيرة أضعاف دور شيوخ القبائل وتعزيز دور الدولة فلا تقدم لليمن ولا قضاء على الفساد والمحسوبية الا بوجود دولة قوية أداتها الضاربة جيش وطني يمكنه ردع تجاوزات بعض الشيوخ.
سقوط نظام الإمامة لم ينه بنيته الفوقية خصوصا التقاليد القبلية القائمة على أعراف لا تمت بصلة للدولة العصرية فقد بقيت سارية وتؤثر في الدولة الحديثة التي كانت جنينا ينمو ببطء وسط مقاومة للحالة الجديدة.. لكن بروز نظام قوي أدى استمراره ثلاثة عقود إلى نشوء قوة ردع نسبي لقوة شيوخ القبائل هي قوة النظام وجيشه.
من هنا فإن دور الجيش اليمني كان تقدميا من منظور التطور التاريخي لأنه كان أهم أدوات استمرارية الابتعاد عن القرون الوسطى وتأثيرات التقاليد القبلية وتعزيز الدولة الجنين، وهذا تحول إيجابي كبير حققه علي عبدالله صالح، وبدون تذكر ذلك الإنجاز نخطأ في الحكم على نظام صالح.
وكي نفهم حالة اليمن بصواب ونتجنب تطبيق معايير تصلح لدول أخرى علينا تذكر ما سبق لأنه احد اهم مفاتيح فهم ما يجري فيه ، خصوصا تفسير ظاهرة انتشار الفوضى الهدامة والهلاكة حالما انسحب الرئيس صالح بقرار منه ، فبعد ما سمي ب(الثورة) ضد صالح وتفضيله سلامة اليمن على منصبه انسحب حقنا للدماء فتفككت الدولة والجيش وانتشرت فوضى لم يسبق لها مثيل في اليمن أوصلته إلى الحالة التي نراها ، واخطر ما نشأ بعد انسحاب الرئيس صالح هو عودة القبيلة لتكون المؤثر السلبي الأول الذي يدمر جنين الدولة الحديثة وتلك ردة كاملة .
طريقة حل الجيش اليمني كانت مختلفة عن طريقة حله في العراق وسوريا حيث تم الضغط الشديد على رمز قوة الجيش ووحدته كي ينسحب فتبدا الفوضى وبأشراف السفير الأميركي مباشرة وهذا ما حصل وأوصل اليمن إلى كارثته الحالية بعد أن تفكك الجيش وانقسم وصار كل قسم أداة بيد جهة ما.
لو لم ينقسم الجيش اليمني ويتشتت بعد (إعادة تنظيمه) هل كان الحوثيون يستطيعون الوصول إلى صنعاء؟ هنا نرى بصمات أميركا واضحة جدا في قرار إنهاء وحدة الجيش اليمني.
4 – ليبيا: اسقط القذافي فماذا حصل ؟ نفس السيناريو الذي طبق في العراق وسوريا واليمن يطبق في ليبيا وبكميات دمار مشابهة فلم يعد في ليبيا مكان آمن ويهجر الليبيون بالقوة ويموتون مجانا وهم لا يعرفون من القاتل ومن القتيل ! نفط ليبيا يسرق تماما مثل نفط العراق!
ما أن تحتوى عصابة مسلحة حتى تظهر عشرة بدلا عنها وبعنف اشد ! ينشأ جيش (وطني) ليبي لكنه يصبح احد الميليشيات المتقاتلة !
والسلاح الليبي الضخم نهب بعمليات مدبرة أميركيا وإسرائيليا واصبح مصدرا لتسليح تنظيمات متطرفة في مصر وتونس وغيرها لتقوم بنشر الفوضى الهلاكة.. وفقا لما تقدم فان تدمير الجيش الليبي تميز بانه أدى إلى نشر الخراب والحرب الأهلية ليس في ليبيا فقط بل في مصر وتونس وغيرهما.
6 – مصر: من يعتقد بان مصر خرجت من عنق الزجاجة واهم اشد الوهم فهي الآن تدخل عنق الزجاجة بعد ضغط شديد لتحقيق ذلك والمطلوب هو جعلها عاجزة عن التنفس اكثر فاكثر حتى الاختناق! ولهذا اضطر الرئيس عبدالفتاح السيسي لتلفظ عبارة كان مستحيلا توقعها منه قبل ان يصبح رئيسا وهي قوله في يوم 24-10-2014 بان (مصر تخوص حربا وجودية ) بعد قتل 33 عسكريا مصريا وجرح عدد مماثل واتهم السيسي جهات خارجية بالوقوف وراء الهجوم واعترف أيضا بان ما يجري هدفه (كسر العمود الفقري للجيش ).
فمن هو الطرف الخارجي الذي يريد كسر العمود الفقري للجيش المصري ؟ وما صلة ما يجري في مصر بما يجري في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا بعد ملاحظة تشابه او تطابق الظواهر الكارثية ؟
إن تدمير مصر يختلف عن تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن فهو دمار يطبخ على نار هادئة بعكس دمار بقية الأقطار العربية المذكورة والذي طبخ على نار شديدة الحرارة ! المطلوب في مصر هو التفكيك التدريجي للجيش وإنهاء ردعه النفسي من خلال إزالة الهالة الوطنية عنه وجعله يبدو مثل (جيش احتلال) !
وعندما تصل مصر إلى هذه الحالة فان الحرب الأهلية الواسعة النطاق ستشتعل : لقد زالت أداة الردع الأكبر وهي الجيش (بكسر عموده الفقري ) اي وحدته وانضباطه وزوال هالته الوطنية. ما يجري الآن هو إعداد مصر لتلك المرحلة الأكثر خطورة وهي استشراء العنف والإرهاب المنفلت في كل مصر، وأعمال العنف المحدودة نسبيا الآن ليست سوى تمهيد لتقسيم مصر طبقا للمخطط الصهيوأميركي .
الهدف المرحلي الآن طبقا للمخطط الصهيوأميركي هي شيطنة الجيش المصري بنظر الشعب المصري وعندما تكتمل عناصر الشيطنة سنرى تنظيمات اقوى وأوسع تقاتل الجيش ونراه يتفكك لا سامح الله . لهذا فبقاء مصر موحدة وقوية رهن ببقاء الجيش المصري قويا ومتماسكا ومنضبطا وقبل هذا وذاك وطنيا يمثل كل مصر.
إذن أحد أهم القواسم المشتركة في الأحداث الجارية في الوطن العربي هو تغييب الجيوش عن المسرح وهو ما يسمح بنشوء ميليشيات مناطقية متعددة تهلك الدولة والمجتمع، وبناء عليه يجب التخلص فورا من أكثر الأفكار سذاجة، أو تضليلاً، وهي فكرة أن أميركا أخطأت في حل الجيش العراقي وتغييب غيره من الجيوش العربية, وانها كانت تتخبط ! فذلك كان قرارا مسبقا ومدروسا اتخذ قبل سنوات طويلة لأنه أحد أهم أسس مخطط نشر الفوضى الهلاكة .
صلاح المختار
الإباحية الأميركية الإيرانية في ستار أكاديمي 1273