لا أظن قطراً عربياً واحداً لا يعاني حالة القلق العام، وهي تعبير مخفف عن الخوف من تداعيات الحاضر والمستقبل . وفي ظني أنه حتى تلك الأقطار العربية التي تعيش حالة استثنائية من الهدوء، فإن القلق من مفاجآت المستقبل يؤرق وجدان الواعين من أبنائها ويجعلهم يشاركون بقية أشقائهم في الشعور بالقلق العام . والقلق كما هو في تعريف أساتذة علم النفس صحي وإيجابي ويحفّز على التفكير السليم، شريطة ألا يكون قد وصل ذروته الحادة التي تسلب صاحبه القدرة على النظر في الأمور وتجعله يستسلم للوساوس وتداعياتها وما يصدر عنها من اضطراب وسوداوية وشك ويأس من تصور أي حل يقود إلى المواقف الإيجابية ومواجهة كل بواعث القلق وأسبابه .
والسؤال الذي يتردد على أكثر من لسان عربي هو: لماذا نحن العرب وحدنا من بقية خلق الله الموجودين على ظهر هذه المعمورة نعاني هذا النوع من القلق الحاد، وما نكاد ننتقل من همِّ إلاّ لكي نقع في همٍّ أكبر، وكأن العصر اختصنا بهذا الواقع وما ينتجه من شعور مرهق للنفس والوجدان؟ ومن الإجابات التي يمكن أن تسهم في الرد على سؤال كهذا أن العصر ليس وحده من يتحمل المسؤولية، بل إن كل بلد مسؤول عن حالة القلق الذي يعتري أبناءه، وأنهم هم المسؤولون عن حالة القلق العام الذي يعيشونه نتيجة تقصير ما في مواقفهم أو أخطاء جسيمة في تصرفاتهم السياسية والاجتماعية . وفي الوقت ذاته ليس صحيحاً على الإطلاق القول إن العرب وحدهم هم الذين يعانون القلق، فالعالم كله يعيش حالة قلق لا ينتهي، وشعوب العالم المتقدمة تعيش هذا القلق لكنه قَلقٌ خلاّق ومحفز للإبداع ولمواجهة الأخطار وتجاوز الأخطاء التي تؤدي إلى تصاعد القلق إلى أن يصبح عامَّاً .
وهنا يكمن الفارق بين قلق وقلق، بين حالة وحالة، قلقنا نحن العرب وهو من النوع السالب، فضلاً عن أنه صناعة محلية وناتجة عن سوء تصرفاتنا الخالية من الرؤية المتوازنة ومن الحسابات المستقبلية . أفعالنا ارتجالية وانفعالية، وهناك من يحرص على أن يصنع القلق لنفسه ولغيره وهو يعتقد أنه يمارس عملاً إيجابياً ولا يدرك عواقب ما يصنعه إلاّ بعد أن يكون قد صار ضحية للقلق الحاد والمدمِّر .
وما يحزّ في النفوس أننا - نحن العرب القلقين - لم نتمكن عبر السنوات الطوال من الاستفادة من كل التجارب التي حصدناها، ولا من تجارب الآخرين، كما لم ننجح في دراسة أسباب نجاح هؤلاء الآخرين في الخروج من دوامة القلق وقد كانوا يعيشون تحت ظروف أسوأ بكثير من الظروف التي نعيشها، لكنهم نجحوا في أن يحوِّلوا قلقهم إلى حافز للتغيير والتجاوز .
ولا ننسى - في هذا الصدد - الإشارة إلى أن شعوباً كثيرة في الشرق والغرب، في إفريقيا وأمريكا اللاتينية تعاني منذ عقود القلق الناتج عن أطماع القوى المهيمنة لكن القلق لم يصل بها إلى ما وصل إليه الحال في أقطارنا العربية، فقد ناضلت وانتزعت حقوقها وأكدت سيادة القرار السياسي لشعوبها، ولم تفقد تماسكها وشعورها بأهمية التوحد في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية على حدٍ سواء، فأين العرب من هذه النماذج الناصعة، وكيف لم تعلِّمنا تجاربنا ولم نتعلم من تجارب الآخرين، وإلى متى يظل السياسي العربي يتخبط في بحثه عن نموذج يُقتدى به، وفي العالم من النماذج ما لا حصر له لمن يريد القدوة والخروج من دائرة الحيرة والتخبط؟.
الخليج الإماراتية
د/عبد العزيز المقالح
عن القلق العربي العام 1392