تعودنا في كتاباتنا السابقة في جريدة الأخبار، أن نتطرق لمجمل القضايا الدولية الراهنة وتحليلها بموضوعية مع محاولة استقراء مآلها في سياق دولي متسم بالفوضوية، متناسين شؤوننا الداخلية والمتغيرات السياسية الخطيرة التي تشهدها قضية الصحراء المغربية.
لكننا اليوم سنحاول الإبحار بإيجاز في خبايا الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي يوم الخميس 6 نونبر الماضي في ذكرى المسيرة الخضراء، والذي تناول قضية الصحراء المغربية والمخاطر التي تتهددها.
وعليه، خرج جل المحللين السياسيين في بلدنا الحبيب للترحيب كعادتهم بمضامين الخطاب، بدل التحليل الموضوعي ومحاولة إعطاء تفسير علمي وتوضيح مآل القضية والوضع الذي بلغته.
ومن ثم، لابد لنا أن نؤكد على أن محاولة فهم خطاب 6 نونبر الماضي تحيلنا إلى ثلاث نقاط هامة:
1ـ من الناحية الكرونولوجية، الخطاب جاء في منتصف المدة التي حددتها الأمم المتحدة لتمديد بعثة مهام المينورسو أي ستة أشهر قبل التمديد، وهنا لابد من الإشارة إلى موقف المغرب الحرج تجاه نفس القضية بعد إدراجها ضمن جدول أعمال اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة المكلفة بتصفية الاستعمار طبقا للقرار رقم 2152.
2ـ من ناحية المضمون، تأكيد الملك على أن أي مقترح لتوسيع مهام بعثة المينورسو في الصحراء المغربية لتشمل حقوق الإنسان ومراقبة ثروات الجنوب المغربي، وأي توصية صادرة في هذا المجال غير مقبولة لأن نزاع الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود، رسالة موجهة للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون ومبعوثه كريستوفر روس للتحلي بمبدأ حسن النية في القيام بالمساعي الحميدة، وإلى باقي الأطراف الدولية لإيجاد صيغة ملائمة تأخذ بعين الاعتبار مصالح المغرب أثناء تجديد مهام المينورسو خلال أبريل القادم.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن رفض المغرب لأي توصية في هذا المجال مؤسس قانونيا، كون التوصيات والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن طبقا للباب السادس المتعلق بحل النزاعات بالطرق السلمية، تعتبر مقترحا بغرض القيام به أو الامتناع عنه كونها تفتقر لآليات التنفيذ التي يتيحها لها الفصل السابع.
3ـ مطالبة العاهل المغربي الولايات المتحدة بتوضيح موقفها من قضية الصحراء، نقطة تحول هامة في توجهات السياسة الخارجية المغربية، ورسالة واضحة المعالم لواشنطن باحترام المصالح الحيوية للمغرب وعدم الإضرار بالوضع التفاوضي للرباط وذلك عن طريق تجنب أي مقترح لتوسيع مهام المينورسو على غرار سابقه السنة الماضية.
الخطاب الأخير، يؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة المغربية تفكر مليا في القطع مع الاستراتيجية التي اتبعتها منذ الحرب الباردة والتي كان "التكيف" عنوانها الرئيسي، والذهاب نحو بلورة رؤيا استراتيجية جديدة تتماشى والمتغيرات الدولية، عن طريق التعديل في التحالفات التقليدية (فرنسا ـ الولايات المتحدة) بالانفتاح على باقي القوى الدولية كالصين وروسيا.
وهنا نقول، أن تعديل المغرب لتحالفاته الاستراتيجية وتوسيع خياراته لضمان دعم سياسي داخل مجلس الأمن للحفاظ على وحدته الترابية مرتبط بما سيقدمه للحلفاء الجدد على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، وكذا بإدراكه لطبيعة المواجهة القائمة وحجم التناقضات التي تحرك باقي الأطراف وتسهم في صناعة قرارها.
يجب أن نعترف اليوم أننا ما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه من جمود في ملف الصحراء المغربية وارتباط حله بتوافق دولي، لولا التدبير البيروقراطي لهذا الملف لسنوات طوال وغياب أي نزعة تشاركية بمعناها الحقيقي واقتصار دور الآخر على ما هو ثانوي في ظل شخصنة السياسة الخارجية المغربية.
إن سياسة اللعب على الحبال ومحاولة انتزاع مكتسبات باللعب على تناقضات القوى الكبرى لن تكون مجدية إن لم ندرك أننا أمام مواجهة شاملة بمعناها الاستراتيجي تتطلب منا اتخاذ خطوات جريئة تؤسس لمناخ داخلي صلب مع تبني إصلاحات حقيقية للنهوض بمجتمعنا وتقوية اقتصادنا وجعلهما قادرين على تحمل تبعات المواجهة الاستراتيجية الشاملة.
*باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة
سامي السلامي
الخطاب المسيرة..استراتيجية تكيف أم تغيير؟! 1249