لا تحتاج الحقيقةُ إلى من يذبّ عنها أو يلتفّ حولها، بقدر حاجتها إلى مَن يدرأ عنها التحايلُ والالتفاف..
الحقيقة كقيمةٍ إنسانيةٍ، يظلّ الحقّ فيها مشاعاً بين الجميع، وليس "كماركة" مسجلة باسم "زعطان" الحزب أو "فلتان" القبيلة والشيخ...
يقول العظيُم "نيتشة": "القناعات الراسخة أكثر خطورة على الحقيقة من الأكاذيب".. وقد مثّل هؤلاء بقناعاتهم المهترئة ولا يزالون، أهمّ أسباب وأدها وضياعها.. وظلّ حضورهم الطافح بالزيف والزيغ يؤجل باستمرار من موعد التقائنا الحميم بوطنٍ يُمثّلنا ويمتثل لأحلامنا وأوجاعنا النازفة منذ أمدٍ بعيد.
اليوم، ورغم كل هذا الراهن الوطني، الموبوء بالتداعيات، يتداعى آخرون وبشبقٍ هستيري لافت، لبسط السيطرة على ما تبقّى من فتات وطنٍ طاعنٍ بالتيه والضياع، ينطلقون من قناعاتٍ سقيمة تدّعي أحقيّتهم بتمثيل السماء وهذا الشعب؛ فيما الحقيقة -يعاضدها الواقع- تصرخ بملء فِيها بأنهم لا يمثلون سوى نفوسهم الأمّارة بالضغينة والانتقام.. وما استدعاؤهم السماءَ سوى ضربٍ من الشعارات و"البروباجندا" الدينية المتهافتة التي يسعون من خلالها إلى الحصول على موطئ حضور يعزّز من أسهم حاضرهم في "بورصات" الاستخلاف والتمكين..!
فهل بالشعارات وحدها يمكن أن تَضربَ السماءُ لهم ولأمثالهم التمكين والقبول في الأرض؟!
أم أنّ ذلك يرتبط - حد التماهي- بمشاريع روحانيٍة واثبة تنضح بالطّهر والنقاء، وتستند إلى محددات عملية قويمة تخضع لقيوم السماوات والأرض، وليس لسيّدٍ أو لشيخٍ وحزب...؟!.
"أنصار السماء" ومن يُفترض في كونهم دعاة حُبٍّ وسلام؛ تقول ممارساتهم بأنهم أدعياء حقيقة ودعاة حرب وانتقام ليس أكثر..
ها هم اليوم وتحت "يافطة" الدين والوطن وهذا الشعب، الذي لا يزايد أحدٌ عليه في ثوابته وقيمه، ماضون في حشد طاقاتهم المشبوهة لحسم هذه الماراثونات الدموية من الاقتتال والاحتراب في سبيل لقب ذلك الاستخلاف الموعود..
ما يثير هنا أكثر، أنهم وإثر كل فاجعةٍ وموت، تجدهم لا يتأفّفون من أن يهتفوا بانتشاءٍ وفخر:
الله أكبر ولله الحمد!
النصر للإسلام الموت للأعداء!
وما إلى ذلك من شعاراتٍ صنميةٍ جوفاء تسمعنا الكثير من جعجعتها المثيرة، لكنها تعجز أن ترينا أي قدرٍ من طحينها الوهم!
كل ما نراه موتاً يطالنا نحن، هزائمَ تسحقنا نحن، سماءً ترفضنا نحن...!
فإلى أين تمضي بنا مشاريعهم العامرة بالضَّلال؟ وهل لشعارٍ - على افتراض طهارته- أن يواري من عورة تلك المشاريع الطاعنة بشيخوخة ثيوقراطية مبكرة؟..
هل لأفعالهم العابثة المسعورة وهي تصدر الموت بأريحيةٍ تامة لكل من وقف في وجه زحفها القادم من أدغال الخَرَف والخوف، أن تحمل بشارات محبةٍ أو طمأنينة أو سلام؟!..
هل لها أن تستدعي السماء لتحرير الأرض من أغلال الرذيلة والظلم والجهل، وهي غارقة حتى آذانها في وحل الغواية والجور والتخلف؟!..
هل لها أن تضفي على من يمثلها (الأفعال) صفة "أنصار السماء"، وحماقاتهم لا تنفك تُولِمُ للموت والخراب موائدَ تعجّ بأطباق الأسى والأنين؟.
يا كل هؤلاء الأنصار أو بالأحرى الأشرار، إنكم أنصارٌ لغير الله، ولن ننتصر بكم.. أنتم غير جديرين بالاحتفاء، ولن تمرّوا وإن منحتكم الأقدار قسطاً من الحظّ الذي تعتبرونه سعيداً ونعتبره غير ذلك!..
لن تمرّوا وستتعثرون أكثر فأكثر، طالما أخفقتم حتى اللحظة في العثور على هدفٍ واضحٍ يقيكم كل هذا التخبّط والشتات!..
لن تمرّوا وسيبزغ فجر الحقيقة يوماً ما، رغم أنف ضلالكم وزيفكم وأنفِ واقعٍ طاعن بالهباء والهذيان..!!
غيلان العماري
أنصار السماء..! 1417