جاءَ مِنْ لحْج.. يُلاحق الإمام البدر!
بالأمس كنا في المقيل مع مجموعة من أنجب وأروع شباب اليمن.. كنا نحتفي بذكرى سبتمبر!
وفجأة رنّ الهاتف.. كان صوتا أعرفه! كان صوت الشاعر الثائر السبعيني أبو عصام من لحج.. يتصل مهنئاً بـ 26 سبتمبر، أبو عصام يتصل في كل 26 سبتمبر، 14 أكتوبر.. منذ أن عرفته في 2007 لكن صوته هذه المرّة كان قوياً وحاداً حاسماً ومتقداً لا تستطيع الكلمات أن تصفه!
وتذكرت ذكريات ذلك الصوت المشتعل.
في 2007 ذهبنا إلى صعدة سوياً مع خمسين شاعراً شعبياً من كل محافظات الجمهورية.. وكان أبو عصام ممثلاً عن محافظة لحج في تلك الفعالية التي نظمتها وزارة الثقافة تحية لصعدة وأبنائها من شعراء اليمن.
واخترت شاعر الثورة المرحوم صالح سحلول رئيسا للوفد الشعري الكبير وكانت فكرة الذهاب إلى صعدة قراراً مني مبادرة وترتيباً. كنا على طائرتي هيلوكبتر.. وكان الطيار ومساعده من الضالع.. ووقفت وبجانبي أبو عصام إلى جوارهما، لم يكف أبو عصام لحظة عن الحديث عن ذكرياته وهو يرى القرى والمناطق تحتنا، وكانت الكبينة زجاجية ..حتى تحت أقدامنا!
هنا قرية كذا.. هنا الغولة.. هنا خَمِرْ.. هنا عيال سريح.. هنا.. هنا.. هنا وكنت أستمع مذهولاً!
متى كنت هنا يا أبا عصام؟
أجاب بلهجة لحج الساحرة: بعد ثورة سبتمبر بأسابيع.. وكان عمري 16 سنة.. وجئت تطوعاً.. وأصبت في صعدة.. وعدت لصنعاء وتعالجت ثم أصبت في الحيمة مرة أخرى!
وأعطاني اللواء/ عبد المحسن مرتجي- قائد القوات المصرية في اليمن- شهادة تقدير، وأضاف متهكماً.. شهادة من عبدالمحسن مرتجي وراتبي اليوم 15000 ريال دخلنا المسرح في صعدة كنت ما أزال مذهولاً من هذ الرجل الذي قدم من لحج يقاتل الإماميين الملكيين بعد قيام ثورة 26 سبتمبر ويلاحقهم إلى صعدة ثم ها هو يعود اليوم بعد نصف قرن مقاتلا.. ولكن بالقصيدة هذه المرّة! وإلى صعدة أيضا..!
يا الله.. كنت أتمتم في ذهول.. هذا هو شعبنا!
وانتبهت على صوته الهادر الحاد في الهاتف.. وهو يقرأ قصيدة طازجة للعيد الرابع والخمسين لثورة 26 سبتمبر!
كنتُ أستمع لصوته في الهاتف وأنا سارح بين ذكريات صعدة معه.. وقصيدته التي كتبها لتوّه عن ثورة 26 سبتمبر 62 في ذكراها اليوم ويقرؤها لي في هذه اللحظة الباهرة المدهشة!
وكان الشباب في المقيل منصتين لصوته الهادر المتقد وكأن على رؤوسهم الطير!
كنت قد فتحت سماعة الهاتف بينما أبو عصام يتوعّد الإماميين الجدد!
وفجأة قال لي.. هل تريدني أن أجي صنعاء.. أنا مستعد!
وأضاف بصوته الحاد أين علي السلال.. أين حمود بيدر!
كان الشباب المصعوقين في المقيل الاحتفالي شهودي على هذه الواقعة!
كان الشباب مصعوقين مدهوشين وأجهش بعضهم بالبكاء!
15000 ريال مرتب ابوعصام.. وقد تجاوز السبعين!
ومستعد للعودة دفاعا عن صنعاء ضد الأئمّة الجدد!
قلتُ لكم مراراً.. هذا هو شعبناً.. هذا هو اليمن الذي نعرف ونحب!
د. خالد الرويشان
من لحج إلى صعدة!! 1437