صنعاء أنشودة طويلة وحزينة للحياة والحب والحرية والجمال.. استقبلت شهر رمضان وهي تتلوى من الألم في زمن توارت فيه كل ملامح الجمال ومظاهره بفعل فاعل زنيم. ولأنها مدينة مفتوحة فقد فتحت أبوابها لقبح القادمين الجدد الذين شنقوا الشجر والزهور والحقول وزرقة السماء ولونوا كل شيء بلون الدم والفجيعة والموت المجاني والتصحر الفكري والثقافي.
فتحت صنعاء أبوابها لأنها أرادت أن تحمي كل اليمن من الانهيار. تحاول مد يدها للمحافظات الأخرى برغم الرصاصة التي استقرت في رأسها والتي أضحت تشكل تهديدا مباشرا لحياتها. أغلقت مساجدها ومنعت صلاة التراويح فيها وحولت إلى معسكرات إيواء يسيطر عليها القادمون الجدد من كهوف التاريخ. يرفعون شعار الموت فيها ويمنعون صلاة أرادها الناس راحة وحياة.
تتعرض صنعاء لجريمة عصية سوداء أخطبوطية الأيادي. أصبحت المساجد يسكنها الموت والفجيعة والمصائر المظلمة وخالية من الناس المسحوقة المنزوعة لقمة العيش. هكذا اغتصبت صنعاء من قبل جماعة عدوانية حاقدة مسكونة بالكراهية وعاشقة للعدم والخراب.
جماعة تسوق الشباب إلى أقبية سرية لتلقي عليهم ملازمها المملؤة بالحقد والكراهية على الحياة وعلى كل ما هو جميل. تحاول الدخول إلى عقول الشباب لتستقر فيها كالسرطان وتستولي عليها مثلما يستولي لص على مفاتيح سيارة فيهرب بها بعيدا.
تحاول هذه الجماعة السيطرة على مفاتيح العقول وتحويل أصحابها الواقعين تحت وطأة الفقر والجهل إلى أبشع أدوات تدمير عرفتها البشرية.
لن تجد فرقا بين قاض أو أستاذ جامعي أو مدرسة، جميعهم صادروا عقولهم وأصبحوا غارقين في دهاليز الماضي يستحضرون شخصيات تاريخية قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ولا يعرفون كيف عاشت ولا كيف كانت تفكر.
نحن أمام عقول منزوعة الخصوبة والتفكير. هناك مسخ للعقل وتدمير للوطن يمتد بامتداد العصبية الدينية التي يراد لها تقسيم اليمنيين إلى قسمين مع أن الإسلام هو دين التوحيد وليس دين التمزيق والتفريق. تحت رايات صلاة التراويح جائزة وغير جائزة يجري تدمير اليمن وقتل اليمنيين.
دمرت اليمن حجرا حجرا وحقلا حقلا وتسقط أشجاره على وجهها وتسقط البيوت على رؤوس أصحابها في رقصة الموت اليومية. طرفان انشغلا بالتدمير نيابة عن العدو الذي يقف هناك بعيدا مبتسما هانئا سعيدا ممسكا بخيوط اللعبة ويوزع عليهما الأسلحة بالتساوي ويغني لهما أغنية الحرب والموت والاحتراق الداخلي.
هكذا تمضي صنعاء والرصاصة مستقرة في رأسها لكنها لا تستسلم للموت ولن تستسلم للتصحر الثقافي. وكيف تستسلم وهي التي مدت أجنحتها ذات يوم فوق أسقف المدن العربية الغارقة في الدم والخطايا والظلمة والأقبية السرية وكانت حاضنة لكل الفارين من هذه المدن.
جاءها الأحبوش ومضوا، وجاءها الفرس ومضوا، وجاءها العثمانيون ومضوا، وجعلها الإمام أحمد مدينة منهوبة ومضى. مر عليها ثوار سبتمبر ومضوا، ومن بعدهم المؤتمر والاشتراكي، ثم المؤتمر والإصلاح، ثم المؤتمر بمفرده، ومن بعده المشترك. وهاهم حراس النوايا سكان الكهوف سيمضون شاؤا أم أبو. وليس المقصود بالكهوف هنا الجبلية بل كهوف التاريخ الغارق في ظلامها كل من يحاول تعطيل عجلة التاريخ.
ستبقى صنعاء مدينة مفتوحة لكل اليمنيين مليئة بالعشق والجمال الذي يحول القلوب إلى نور مشع. لن تموت صنعاء بل سيموت أصحاب مشاريع الموت، لأن صنعاء موعودة بالحياة واليمنيون كذلك.
اللهم جمد الدم في عروق من جمد المرتبات. اللهم أرسل عليهم ما أرسلته على قوم موسى. واجعل فطورهم نارا تكوي بطونهم يارب العالمين.