في الثامن عشر من ذي الحجة من كل عام يعمل الحوثيون، كما الشيعة الإثنا عشرية، على إحياء هذه المناسبة التي يعدونها تظاهرة سياسية عقائدية يحشدون لها كافة إمكانياتهم المادية والفكرية لتثبيت أيديولوجيتهم الشيعية فيها ولحشد الناس من خلفهم وتأطيرهم وكسبهم عقائدياً وسياسياً كنوع من أنواع التبشير بفكرهم الشيعي المستورد من إيران.
يكثف الحوثيون خصوصاً والشيعة عموماً من حشد النصوص المنسوبة إلى الحديث الخاص بالشيعة، ومحاولة إقناع الناس والعامة منهم على وجه الخصوص بأن ولاية علي مصرحة من الرسول في ذلك اليوم، كنوع من إضفاء المشروعية الدينية والتاريخية لسلطتهم السياسية، حتى وإن كانت كثير من هذه النصوص مزورة مروية من طرائقهم، وما كان منها منصوصاً عند السنة في كتبهم الصحيحة يؤولونها تأويلاً في اعتساف النصوص اعتسافاً، كالحديث "من كنت مولاه فعلي مولاه"، فهذا النص يقولون عندهم بوجوب ولاية علي الولاية العامة.
فما هي قصة الغدير؟!(غدير خُم)
غَديرُ خُم هو: موضع بين مكة والمدينة، وهو واد عند الجحفة به غدير، يقع شرق رابغ بما يقرب من (26) كيلاً، وخم اسم رجل صباغ نسب إليه الغدير، والغدير هو: مستنقع من ماء المطر.
وسبب القصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى اليمن ليخمّس الغنائم ويقبض الخُمس، فلما خمّس الغنائم، كانت في الغنائم امرأة هي أفضل ما في السبي، فصارت في الخُمس، ثم إن علياً خرج ورأسه مغطى وقد اغتسل من الجنابة، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم أن الوصيفة التي كانت في السبي صارت له فتسرَّى بها، فكره البعض ذلك منه، وقدم بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما فعله علي مع الوصيفة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقال: نَعَمْ، قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». رواه البخاري في صحيحه (4350).
فلما كانت حجة الوداع، رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وساق معه الهدي، كما رواه مسلم في صحيحه برقم (1281).
وروى البيهقي في دلائل النبوة (5/398) وصححه ابن كثير في البداية والنهاية (5/106) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن، فكنت ممن خرج معه فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، فكنا قد رأينا في إبلنا خللا، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين. قال: فلما فرغ علي، وانطلق من اليمن راجعا أمَّر علينا إنساناً وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم"، قال أبو سعيد: "وقد كنا سألنا الذي أستخلفه ما كان علي منعنا إياه نفعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب، فذم الذي أمره ولامه، قال: فذكرت لرسول الله ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، ثم قال: "مه، بعض قولك لأخيك علي، فو الله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله"، قال: فقلت في نفسي: لا جرم والله لا أذكره بسوء أبدا سراً ولا علانية.
ولما كثرت الأقوال والذم في علي رضي الله عنه من قبل بعض الصحابة ورفقته إلى اليمن أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسري عن علي ويجعل له مكانة في نفوس هؤلاء القوم وعند الصحابة فخطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة وقال مما قال في هذه الخطبة: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهو حديث متواتر رواه أحمد بن حنبل في المسند (641) عن عدة من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ورواه الترمذي (3713) وابن ماجه (121) وغيرهم بأسانيد صحيحة.
لكن الشيعة والمتعصبين لعلي -رضي الله عنه- أولوا هذا الحديث على أنه صريح بالولاية له دون الصحابة جميعهم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان، ولذلك يبغضون هؤلاء الخلفاء ويسبونهم، ويعتبرونهم أنهم اغتصبوا حق علي في الولاية.
عقائد الشيعة في الغدير
هناك عمودان عقائديان بين الشيعة الاثني عشرية والجارودية اللتين تتفقان في كثير من الرؤى الشيعية، وعلى رأسها تأتي نظرتهم للولاية (ولاية علي) في قولهم بالنص الصريح في غدير خم، وبقولهم وجوب الولاية في البطنين وأن الأئمة اثنا عشر إماماً فقط.
وقد أخرج الطرفان الإمام زيد من الولاية ومن الإثناعشر لأنه رفضهم فسموا الرافضة لرفضه لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولذلك عادوه وأخرجوه من كثير من نصوصهم وعقائدهم. ثم بعد ذلك اعتمدوا شعار اللعن وعلى رأس من يلعنونهم الصحابة رضوان الله عليهم وخاصة الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم.
يعد الحوثيون خليط من الجارودية والاثنا عشرية، بسبب اتخاذهم شعار الغدير وسبهم الصحابة، وكذلك في موافقتهم قول وشعار الاثنا عشرية في أن الأئمة اثنا عشر إماماً في البطنين والقول بوجوب ولاية علي وبصراحة النص في ذلك، وهذه هي الأعمدة العقائدية عند الشيعة الاثنا عشرية. ولذلك نرى بياناتهم وشعاراتهم في الاحتفال بيوم الغدير تقول بوجوب النص في ولاية علي وتلمح إلى أن من ينكر ذلك فقد كفر بالله.
والجارودية أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر، فقالوا بأن النص في علي جليٍّ موافقة للإمامية من الرافضة، ولكنه قال بإمامة زيد بن علي، والإمامية قالوا: ليس هو من الاثنى عشر المعينين عندهم، ووافقهم في رفض الصحابة.
الاحتفال بالغدير
ولم تظهر الأيديولوجية الشيعية والتعصب لعلي في أمر هذا الغدير إلا في القرن الرابع الهجري وتحديداً في زمن البويهيين.
أما في اليمن، فإن أول من احتفل بعيد الغدير من الشيعة هو الإمام المتوكل إسماعيل، ولم يتم الاحتفال به من قبل، حتى انتقده ابن أخيه العلامة والمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم، وابتدعه المتوكل وهو بحبور سنة 1079هـ تقريباً.
ولما قويت شوكة الإمامة وخاصة الجارودية الرافضية التي قمعت اليمنيين واشتد عودها منذ الإمام المتوكل وبعده الإمام المهدي أحمد بن الحسن صارت تقليداً سنوياً سياسياً عندهم منذ ذلك التاريخ ولم يحتفل به أئمتهم من قبل لا الهادي ولا من أتى بعده.
واتخذت وسيلة لجمع الناس حولهم من باب اتخاذه كأيديولوجيا يؤلفون بها العامة ونشر كثير من خرافاتها حينما كانت تقوم الثورات عليهم ورفض الشعب لهم ولولايتهم.
واعتنق بعض الأئمة أيديولوجية الرفض المنبثقة عن الجارودية، وكان منهم الإمام القاسم بن محمد -مؤسس الدولة القاسمية- وابنه المتوكل، وحفيده المهدي بن الحسن، وغيرهم، حتى تطور هذا التيار واشتد عوده.
وبدأ الإمام المتوكل الاحتفال بيوم الغدير كأول إمام قام بالاحتفال به، كما ذكر ذلك ابن أخيه المؤرخ يحيى بن الحسين.
وكان الإمام المهدي أحمد بن الحسن يظهر شعار يوم الغدير في جميع مدته، فاشتبه حاله ومذهبه، ولعله كان مع هواه وما يوافق صلاح رئاسته ويستعين به.
سبق للأسرة الحوثية أن قامت بتأسيس حركة استفزازية للحكام ومنهم الأئمة، وتطلعهم إلى الحكم، ومما عملوه الإيغال في سب الصحابة رضوان الله عليهم.
ومن ذلك أن يحيى بن محمد الحوثي، كان يصرخ باللعن وسب الصحابة (في الجامع الكبير بصنعاء). ولما بلغ الأمر الإمام المنصور علي، أمر بنقل الحوثي من الجامع الكبير، فقام بعض أنصار الحوثي برفع أصواتهم باللعن والسب في الجامع الكبير بصنعاء، ومنعوا إقامة صلاة العشاء، وخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء، ورجموا البيوت، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيراً من الطاقات.
ونتيجة لذلك، قام الإمام المنصور علي بحبس الحوثي والمشاركين معه باللعن والرجم، وتم البحث عن بقية المشاغبين والمباشرين للرجم.
وكان بينهم من ثبت تلبسهم بالسرقة من بعض البيوت، فضربوا وعزروا بضرب المرافع على ظهور جماعة منهم. وبعد أيام أرسل جماعة منهم مقيدين بالسلاسل إلى حبس جزيرة زيلع، وآخرين إلى حبس (كمران) وكان من بينهم إسماعيل النعمي؛ لتجاوزه الحد في تعصبه.