نحن في الربيع الذي كاد أن يزهر، لينتشلنا من واقع الاستبداد والطغيان، ربيعا بألوان الطيف السياسي والفكري، هدد أركانهم ومصالحهم، فحاكوا حوله خيوطا من المؤامرات، خيوطاً نسجوها بالتناقضات، وحبكوها بالتعصب والغلو ليعيقوا مسار هذا الربيع، لإيقاف حركة التغيير، وإعادتها لذلك الزمن الذي يرعى مصالحهم، وتلك الصراعات التي تجعلهم متسيدين، بيئتهم العنف والانتهاكات والشيطنة والمناكفات، وأدواتهم التعصب والغلو والإرهاب .
تمكنوا بحنكة من صناعة واقع مرعب مهدد لحاضرنا ومستقبلنا، تتهاوى فيه أحلامنا وطموحاتنا تنهار لتجهض ثورتنا المباركة، شقوا النسيج ومزقوا اللحمة وشتتوا الصف، وحقنوا فينا الإرهاب الجسدي والروحي والفكري، بجذوره التعصب والتطرف والتشدد والتزمت إزاء فكر (أو أيديولوجيا أو قضية)، تعصب يجرف التنوع والأفكار المختلفة والمواطنة، ليفرض لون واحد على الجميع .
التعصب والغلو في المواقف والنهج والقناعات مرض خطير يصيب الإنسان فيعمي بصيرته، ويؤدي إلى تحجر عقله، فلا يفرق بين الحق والباطل، يرفض الاستماع للأخر، لا يقبل الفكرة التي تعارض قناعاته، ويرفض الإصغاء وتقبل المعلومة ليستنبط منها الحقيقة، المتعصب لديه صورة ذهنية محشو بها مسبقا يبني عليها آراءه واختياراته وقناعاته، تجده دائماً ناكراً للحقائق التي تمس من يناصرهم، لديه إعاقة في عملية التقييم والتصحيح والوصول إلى الوضع الأحسن والأفضل .
واقع مؤلم نعيشه اليوم، بعقول مشحونة ومبرمجه بكتلوج الماضي، عقولا تجتر ماضيها الآسي غير جديرة بتجاوزه، وتلك هي البيئة الحاضنة للإرهاب بأشكاله، اليوم الإرهاب فكر يعتنقه الكثير من المتعصبين والمتهورين، يتطور لدى البعض لأعلى المراحل فيمارسه واقعاً ليرهب الآخرين بوسائل عدة، فإذا به إرهابي، الإرهاب مولود ثقافة وارثاً سائد، الكثير منا يرفض التخلي عنه، بل يربي أبناءه عليه، الإرهاب هو العنف والتوحش، هو الإنسان الغير سوي الفاقد للإحساس والمشاعر والحب، وما أكثرهم في مجتمعنا، خاصة بعد سلسلة من الحروب وأخرها الحرب القذرة للانقلابيين .
الإرهاب لا دين ولا حزب له، لكننا نصر بعند أن نلبسه رداء لا يستحقه، ونستثمره بغباء سياسي لنشرع لواقع يخدمه، الإرهاب فكر يتغلغل فينا بالكراهية والأحقاد والضغائن والصراعات السلبية والعنصرية، والظلم والتعسف والانتهاك، ننتج إرهاب من حيث نقصد أو لا نقصد بجهل وجهالة .
الإرهاب حالة نفسية وتربوية كلما تعاملنا معها بالعنف والسلاح، دون وسائل تثقيفية وتنويرية وإصلاحية ووعظ وهداية وتوجيه، واهتمام عيني في تربية الإنسان وتعليمه وتقويمه، لن يجدي نفعاً بل يزيد من تنامي الإرهاب، ويخلق البيئة الحاضنة له .
محاربة الإرهاب تحتاج مؤسسات دولة تجمع كل الجهود والقوى لصفها للاستقرار بعيداً عن التنافر، وانتعاش اقتصادي وثقافي وفكري وفني ورياضي وفلكلور شعبي، يحتاج لمنتديات ومهرجانات ثقافية وفنية، لتزهر الحياة من جديد ببذور الحب والتوافق والوئام والمشاعر الوطنية والإنسانية، لتخرج ما فينا من توحش وعنف وقسوة وصلابة في الرأي والمواقف، ليتعافى المجتمع بالإنسان السوي الخالي من أثار الماضي والحاضر السلبية .