المجتمعات الحية قوتها في اعتمادها على البيئة الايجابية بين الأفراد ومحيطهما والجوار، تستكشف الحاضر لتعيش المستقبل، والمجتمعات المحنطة تستكشف الماضي لتعيش حياة أمواتها بقشور الحاضر، فتستجر ماسيها وتلوك تناقضاتها، تحكمها ذهنية مصابة تعتمد على بيئة سلبية، تتعصب بتحليلها واستنباطاتها، لا ترى الوطن غير ساحة للمناكفات والمكايدة السياسية.
أين نحن من ذلك، كلما حاولنا أن نرتقي، البعض يتعمد السقوط بنا للقاع المزدحم بالجهل والتخلف والرداءة، يستقبل الخبر ويبحث فيه عن ما يبرئه ويدين الآخر، ويعيد صياغته وفق الصورة المركبة في ذهنيته وما يتناسب وقناعاته المشوهة، ويستخدمه في المناكفات والمكايدة ضد الآخر، لتشويه الصورة وتجاهل الحقيقة ليتعلق بالإشاعة.
أفقروا المجتمع ثقافياً وفكرياً، فأخرجوه كثيراً عن المألوف والنظام الاجتماعي والقوانين الوضعية والعرف والشرع، فأخرجنا عن طورنا لنتحول لوحوش ننهش بعض و الوطن ضحية تلك الأنانية والجبن.
تتكشف لنا حقائق، كتصريحات فيها رسائل ايجابية، يفترض أن تؤخذ بجدية وتدرس بعمق وتحلل بحيادية لنستقصي منها الخلل والبراهين، لتقييم الذات والعام، لنبني عليها مواقف ايجابية ونعيد ترتيب الأولويات والمهمات، لكننا بالعكس من ذلك، فاقدو الأهلية هائمون في صراعات أزلية، غيبت فينا العقل وحركت عواطفنا دون ميزان وكابح، حالة ميئوس منها تحتاج لعلاج نفسي وعملي سريع.
كم من ناشطين وصحفيين وحقوقيين، تحدثوا عن وقائع فساد ومؤامرات، حللوا مواقف، فاستهزؤوا بهم وضحكوا عليهم، بل نهروهم واتهموهم وشتموهم، لان الحقيقية التي قالوها تتناقض مع قناعاتهم وتضر من يناصرونه والصنم الذي يعبدوه، غير آبهين بالصالح العام ومصالحنا والوطن.
آخرها محافظ في عدن عبد العزيز المفلحي عقل مدني اقتصادي تكنوقراط، اصطدم بالبيروقراطية القديمة ونسختها المجددة بفسادها وسلوكها العفن، كان قد أفصح قبل ذلك عن خطورة قوى أوتوقراطية شوفينية تهدد مستقبل الوطن، اليوم تُقرأ تلك الرسالة على أنها إدانة لطرف لتبرئ طرفاَ آخر، بسطحية وغباء، ذلك انعكاس لذلك الانحطاط، والشحن والحقن المريض، الذي أقصى العقل والمنطق، وإن تحدث أدين.
ليس هناك ما هو أكثر إيذاء للوطن والأمة من مجتمع مريض وواقع مشحون كحالنا اليوم.
هل ستلتقط الشرعية رسالة المفلحي وتعيد ترتيب البيت الداخلي، وهل سيلتقطها الآخرون أحزابا ومكونات سياسية واجتماعية وتصحو من غفوتها والتمترس والاصطفاف لما هو أصغر وأناني على ما هو أكبر وأعظم، لخدمة الصالح العام والوطن ومشروعنا الوطني.
هل حان الوقت لنترك حالة الجنون والكراهية والعدائية لبعض بإسفاف وحمق، والعودة لجادة الصواب، لندرك خطورة الموقف.
علينا أن نعيد مسار حياتنا، مواقفنا واختياراتنا لما هو مطلوب كشعب وأمة تبحث عن الحرية والاستقلال وترفض الذل والهوان والتبعية والارتهان، لندرك الضروريات من المحظورات، في دولة النظام والقانون الضامنة للمواطنة والحقوق، لنعيد تفعيل مؤسساتها الرقابية والمحاسبة والقضاء والنيابة، لتتضح الحقائق ويدان كل من أجرم في حق الوطن والأمة.
وعلى المثقفين دور مهم في تنوير العقول ومعالجة الظواهر السلبية واستئصال الأمراض الاجتماعية العالقة في جسد المجتمع نتيجة الإفراط في التردي في تعاملنا مع بعض ومع قضايانا، لنوقف هذا العبث من التفاقم، نحو إيجاد صيغ حلول تشفي الحالة التي يعانيها مجتمعنا.