كم من فتاة وقعت في مصيدة العاشق الكذاب بعباراته الغزلية وأحلامه الوردية , وهكذا يقع البعض في مصيدة الثوري الكذاب , عاشق الشعارات والمنصات , وفي الحالتين يقع في هذه المصيدة من يتخذ العواطف مقياسا له دون عقل مدرك .
ينجر الكثير خلف الكلام المعسول والشعارات الرنانة , مع أن حبل الكذب قصير , فالبعض يصحوا في لحظة ليعرف انه مخدوع , والبعض الأخر يظل مخدوعا حتى يجد نفسه ضحية .
الإنسان حر في اختياره , وللاختيار مقاييس ومعايير أهمها حرية التفكير بحيادية وتجرد من العواطف والأيدلوجيات التعصب للمنطقة والطائفة , لتتمكن من التفريق بين جاد صادق وسواه .
مهما كانت شعارات المنصة مغرية , تحاكي أوجاع والألم الناس , تدغدغ مشاعرهم , تقدم الوعود , وترسم لهم الأحلام لواقع جميل ينتظرهم , والجمال هو جمال الروح , جمال الفكر , والثقافة , والقيم والمبادئ , يبدأ هذا الجمال يقبحه الخطاب , خطاب من لا علاقة له بقضيتهم , من وجد الفرصة ليتربع منصة كان قبل ذلك متآمرا عليها , كان في صف أعدائها , واليوم يبث سمومه من عليها , خطاب يعبر عن أحقاد وضغائن , يشحن ويناكف , يهدد ويتوعد , يلهب حماس الجماهير بالانتقام , بالمناطقية , بالطائفية , بالفوضى , فيبدأ العقلاء من الناس يشعرون أن الجمال قد تلاشى , وان القبح هو المتصدر , فيقل حماسهم وينسحبون بهدوء , ويبدأ يقل الحشد تدريجيا , وتبدأ القضية تأخذ منحى غير أخلاقي ولا أنساني , فتختلط الموازين والأوراق , وتضيع أحلام الناس في مهب الريح .
هكذا تنفرط حبات المسبحة , ولن يبقى غير من يتقبل تمادي المنصة أو تباطئها الملحوظ في ترجمة الوعود والواقع الموعود , فارضين حسن نوايا عارية من المنطق , تاركين مبادئهم تتناثر الواحد تلوا الأخر , لا يدركون حجم أخطائها إلا بعد أن يصبح لا جدوى من ذلك , فقد غرق الجميع في وحل قذر من الصراعات .
حتى وان ذهب للجحيم رأس المشكلة , مدبر الفتن , اللاعب على التناقضات , المثير للصراعات , الراقص الماهر على أوجاعنا وجراحنا , لازالت أثاره في نفوس الكثير , تجاوزها يحتاج لوعي , وعي قادر على تخطي كل الصعاب للانتقال لواقع أفضل , ليحمل رؤية ومنطق , ليحفظ مستوى من الود والعلاقات الإنسانية , لردم الهوة ورأب الصدع ,وترميم الشروخ الاجتماعية والوطنية للأمة .
السقوط المدوي هو سقوط أنساني وأخلاقي , هو تنازل عن القيم والمبادئ تربيت عليها لترضي الجزء المصاب فيك في العقلية والنفسية , لتنسى أن الحياة صراع بين الخير والشر, ولك الاختيار لتنصر أي منهما من موقعك .
عندما يلجئ لك نازح , مشرد مطرود مهدد بالموت , فقد كل ما يملك , وأنت ترفض مساعدته , بل تطلب منه أن يعود من حيث أتى , بمبرر أقبح من الذنب , مبرر انك تعيش وهم المؤامرة , وانك اضعف من أن تجد الحلول لتحمي نفسك والمجتمع والمنطقة بوسائل أكثر تقبلا ورقي بحيث لا ضرر ولا ضرار ,كل دول العالم تحمي نفسها دون أن تكون تلك الحماية على حساب الآخرين , على حساب القيم والمبادئ الإنسانية , على حساب العلاقات والصف الوطني و وحدة الأمة لمحاربة العدو , هذا العالم المتقدم اخترع لنا الوسائل ورسم الخطط في أبحاث وعلوم اجتماعية ونفسية وسياسية , تنظم عملية الحماية بشروط عدم تجاوز الانتهاكات الإنسانية , ونحن نطلب لمن يلجئ ألينا هربا من حرب وقتل وبطش عدونا لنقول لهم عودوا من حيث أتيتم .
متى سنفهم ونستوعب وثائق وأدبيات حقوق الإنسان أو حتى الحيوان , لنستقبل الناس بشرف ونحفظ كرامتهم , ونعد لهم المعسكرات ونجهزها بالاحتياجات , من غذاء ودواء , ونبدأ ننظم عملية تدوينهم وأماكن تواجدهم , بطريقة راقية وإنسانية محترمه , تقدم أنفسنا بصورة تليق بقضيتنا بأحلامنا وطموحنا , حتى بمستوى الشعارات التي نرددها , وما نرفضه ونمقته لا يمكن أن نمارسه .
للأسف نفشل دائما في التحديات , نقول شي ونردد شي ونهتف ونصفق , ومجرد ما أن ينفض الحشد , نبدأ نمارس أقذر الوسائل ضد بعضنا البعض .
قال لي رجلا كهل يدعى ابن الحداد , في العمل كان شابا جميل محترم ثوري أول ما صدر قرار بتعينه مدير عام , بدأ الغرور يأخذه , بدأ الفساد يجعل منه وحشا نهم , وبدا يتضخم وتتضخم معه سلوكياته , وصار أكثرا كرها وفسادا مما سبقوه , وعدنا مظلومين محرومين مضطهدين .
لأننا نفقد القيم والمبادئ وتتفوق فينا أمراضنا التي تدمر كل خير فينا .