الثورة وسيلة تحقق غاياتها النبيلة، نحن في اليمن اتخذ البعض الثورة غاية بحد ذاتها، غاية للوصول للسلطة، في حروبه الفاشلة والباغية للسيطرة على السلطة والثروة، حرب استدعت أجندات خارجية، وفتحت المجال لقوى العنف تتصدر المشهد ومنها الثورة المضادة، حرب أضعفت الانتماء والروح الوطنية، ورس انتماءات صغيرة طائفية ومناطقية حزبية وإيديولوجية. حروب أفقدتنا نبل وشرف أهداف الثورة وسموها، فضعفنا سيادة وانتماء، وإذا بنا نبحث عن مبرر للارتماء في حضن العمالة للانتصار على الآخر، والاستيلاء على السلطة، تحول الكثير لأدوات للسيطرة الكاملة على نهج البلد وسياسته وتوّجهه، ليكون مجرد حديقة خلفية، يحمي مصالح الإقليم، حرب قذرة لأجندات إقليمية، قذارتها في دعم كل ما هو قذر ومسخ وفاسد، ليدمر ويحطم كل ما هو خير وجميل ونزيه ومعطاء في هذا البلد، والنتيجة بؤس واقعنا في المناطق المحرّرة. نحن أمام حربٍ تدعم قوى العنف ومشاريعها، وتغيب القوى الناعمة بأفكارها ورؤاها ومشاريعها النبيلة، والثورة وأهدافها، تدعم التخلف والجهل والتعصب بأفكار طائفية أو مناطقية أو أيديولوجية، كأدوات تختار بعناية لتحقق هدفها. تتجلى هذه الصورة في مشهد واقعنا اليوم، شمالا وجنوبا، فعن أي حالةٍ ثوريةٍ يتحدث بعضهم؟ فهل هذه القوى التي تمارس القمع والقهر والعنصرية بأبشع صورها، هي ثورة؟ وعلى أية حالة ثورية يراهن بعضهم؟ على تشكيلات عسكرية لمليشيات ذات انتماء عقائدي أو مناطقي، ترتهن لمن يدفع لها، وبالتالي تفقد العقيدة الوطنية، لتكون مجرد أداةٍ تعمل لصالح قمع أيّ مشروع وطني لدولة ومؤسسات وطنية وسيادية، ما يعني أننا نسير في طريق مظلم ليعود بنا للظلام والاستبداد، طريق يعيق حركة الانتقال إلى المستقبل المنشود. تؤكد الحرب العبثية اليوم لمن لا يستوعب دروس الماضي أن العنف يؤدي إلى عنف أشد ضراوة، وأن القهر والظلم يواجه مقاومة شديدة، وأن الأمم لا تقهر، ومستحيل إخضاع الناس بقوة السلاح والترهيب والترغيب، وأن المنتصر اليوم في حربٍ يهزم غدا بكل سهولة ويسر، وأن النضال مواقف واختيارات وطنية، قبل أن تكون عربيةً وإقليميةً، ومن يستلم ثمنا لنضاله لم يعد مناضلا، بل أداة لمن يدفع له، وأسير لأجنداتهم. الصورة واضحة بين مشهدين، مشهد الأجير الذي يخلع زينته وهويته، ويلبس زينتهم وهويتهم فيبخس، مهان في وطنه وعلى أرضه، يفرض عليه خلع هويته وحريته قبل أن يخلع ملابسه ليفتش قبل مقابلة المندوب السامي، وشتان بين الخنوع والذل، والحر الذي يرفض كل ذلك ويقابلهم بندية الأبطال. يحتاج اليمن اليوم لمن ينقذه مما هو فيه من حرب عبثية وأجندات خارجية، عبر توافق وطني، بعيداً عن الحشد والحشد المضاد، إذ نحتاج قيادةً جماعيةً يستوعب القادة فيها رسائل الواقع، ولترتفع الهامات ليرتفع وطن . لا مخرج لنا من هذه الحرب غير مخرجات الحوار والتوافق عليها،فيها أهداف ثورتنا أحلامنا طموحاتنا، لرسم دولة المواطنة، دولة التوزيع العادل للسلطة والثروة، من دون استئثار واستحواذ وإقصاء وتهميش، دولة النظام والقانون والدستور الذي يعطي الحق للشعب ليختار سلطته ويقيلها. لا صوت يعلو على صوت الشعب الذي يجب أن نسمعه عبر صندوق الانتخاب، لنتجاوز ماضينا العفن، بكل إشكالاته، سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية. لا اصطفاء إلهي أو مناطقي أو إقليمي، ونعم للاصطفاف الوطني لإنقاذ الوطن.
أحمد ناصر حميدان
لترتفع الهامات ليشمخ وطن 1279