هل أدرك الشعب جذور مشكلته؟ وينتفض اليوم ضدها في رهانه على أفراد من بيئة متخلفة عصبوية، يصنع منهم زعامات فيخذلوه. القيادة فن وعلم، ووعي قادر على التعامل مع الآخرين وتوازن بين التقديرات الوطنية والإنسانية، أي أن القيادة احترام وتفاهم وعقل وفن ووعي وتوازن عقلي ونفسي. التخلف والجهل يحولك لأداة بيد أعدائك ومغتصبيك والطامعين فيك، وهو يقنعك أن ذلك هو الطريق الصحيح، يجردك بالتدريج من كل قيمك ومبادئك وإنسانيتك، يضعفك ويحط من شأنك، لتكون أداة طوعا، تهضم الطعم وأنت مقتنع أنه مساعدة لانتشالك. والكبر والعند يدخلك في وحل من الصراعات والمهاترات التي تقتل قضيتك الأساسية وتغرقك في مستنقع يقضي على حلمك وطموحك وأمالك. منذ الوهلة الأولى عرفنا أن هؤلاء أدوات هشة ضعيفة، أفكارهم عصبيتهم ستقتلهم وتقتلنا، وسخرنا أقلامنا للتنبيه، لكن البعض بعقليته الصلفة هاجمنا، بل بعضهم ساق لنا كل التهم، حتى الهوية أراد تجريدنا منها، وبعضهم للأسف كانوا كبارا في مخيلتنا، كنا مصدقين أنهم مثقفون بل أدباء، واتضح أن بينهم وبين الثقافة والأدب مسافة طويلة وحواجز فكرية نتنه وعقلية متعصبة. حينها كنا قليلاً جدا في واقع متخلف ونخب لا تتجرأ على مواجهة الحقيقة وتساير هذا الواقع، لم نستسلم حتى توسعت الدائرة، بدأت الناس تفهم، البعض يحتاج لوقت لكي يفهم، وآخرين لا يفهم إلا عندما يمسه الضرر، اليوم انفرط الناس من حولهم والحمد لله هذا ما يخدم قضيتنا الوطنية أن تفهم الناس وتستوعب مصالحها، وتحدد اختياراتها بدقه ومواقفها الوطنية ألحقه. اليوم الجوع والفقر والمرض للشعب والجماهير التي تهتف والملايين التي فوضت، وأملت وطمحت، لا طالت عنب اليمن ولا بلح حضرموت، بل كانت أداء للاستثمار والثراء الفاحش للقيادة والمسئولين الذين تربعوا على أكتافهم، اليوم الناس تصيح، وهناك من يتربص من السياسيين والمنافقين، ليمتطي هذا الغضب ويقوده لمبتغاة وأهدافه السياسية يستخدمها كضغط وابتزاز، للحصول على ما يريد استثمار قذر بقذارة العقلية التي تحكمه. هل فعلاً أدرك الشعب أخيراً جذور مشكلته، وينتفض ليستعيد قبضة دفة ثورته، ليدير قضيته لخدمة مصالحه الحقيقية، بعيداً عن الابتزاز والاستثمار القذر للقضية، التي يجب أن تكون شعبية جماهيرية تقودها قيم ومبادئ وأخلاقيات، من يخرج عنها ينبذ وتلفظه، لا تفويض لغير الشعب، ولا إرادة لغير الشعب، الشعب هو قائد الثورة والمؤثر والفاعل، إذا قال استمعت له القيادة، وقوله أمر مطاع لا جدل فيه، حكم الشعب مصدره استفتاء أو صندوق انتخاب، والمسئولون والقادة مجرد موظفين يعرفون جيدا أن الشعب يراقبهم عن كثب، إذا قال فيهم قول نفذ، هو من يحكمهم وهم يخدمونه ويستلمون منه أجرهم. انتفاضة ضغط على كل القوى الفاعلة على الأرض أن تخضع للإرادة الشعبية، وتوقف هذا العبث في الحق العام ومصير الأمة، لدعم الدولة بشخصيتها الاعتبارية ومؤسساتها لخدمة الصالح العام وضبط إيقاع الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية، بما يتوافق وإرادة الناس ومشروعها الوطني الدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة. يكون الشعب هو وسيلة الضغط الوحيدة في أي خلل يراه، يمس حياته ومصيره ومشروعه الوطني، بعيداً عن الاصطفاف الطائفية والمناطقية، لنخرج من هذا المأزق الذي نحن فيه اليوم، والتهديد بيناير ومارس ويوليو ويونيو في كل شهر من أشهر السنة فيها ذكرى لنكبة على مر نصف قرن من الصراعات وكفى.
أحمد ناصر حميدان
الشعب ينتفض 1287