جوهر مشكلتنا هي العنف والعنف المضاد، المنتج للصراعات السلبية والحروب الأهلية والفئوية، وما للصراعات والحروب من نتائج وخيمة أهمها، أن الوطن يتحول لجحيم، نار تحرق الأخضر واليابس، جحيم يصلي الجميع، بما فيهم مشعلي الحرب، جحيم يجعل الوطن غير قابل للعيش ولا التعايش، يوقف عملية النمو، لتبدأ عملية الانهيار والخراب، في الحرب لاستقرار، بل فوضى عارمة تخدم اللصوص والفاسدين والمجرمين وأصحاب السوابق، هم فقط القادرين على العيش في هكذا وضع، فرصتهم لاستثمار واقع الحرب، منهم تبرز الكيانات الطارئة لواقع الحرب، يتصدرون المشهد، ويقبضون على الدفة، ويمارسون هوايتهم بأريحية تامة، لتبدأ عملية التصفية لكل ما هو خير للوطن والناس لصالح ما هو شر، ليتحول الوطن لدولة فاشلة بكل المقاييس. هنا جوهر المشكلة والبقية هي ارتدادات لتلك المشكلة، فنتوه في الارتدادات بغباء البحث عن حلول، في ظل بقاء جوهر المشكلة، كمؤثر يبني البعض عليه مواقفهم واختياراتهم، وإذا بهم جزء من المشكلة. المشكلة في كل من يتمسك بالعنف كوسيلة للحل، عنف يعتقد أنه متفوق على الآخرين فيه، ويمكنّه من فرض أمر واقع، عليهم تقبله، ليظل جوهر المشكلة قائماً، عنف يصر على استمرار الظلم والقهر والاستبداد والانتهاكات، بتبادل أدوار الضحية والجلاد، أدوار الانتقام والثارات، في ازدياد من حجم التراكمات والقهر والظلم والتعسف والكراهية بين فئات المجتمع، وتفتيت البنية، وتجزئتها مناطقياً طائفياً عرقياً. عنف يتغذى من وهم النصر والهزيمة، المنتصر اليوم غدا مهزوما والمهزوم اليوم يبحث عن فرصة للنصر، وهكذا ينشغل السياسيون في هذه الدوامة، ويشغلون الناس بها، وهم يلهطون وتتعفن سلوكياتهم وتفوح روائح فسادهم الكريهة، والناس تموت جوعا ومرضا و وباء. واقع كهذا يتصدره الجهل والتخلف المشبع بالحقد والكراهية والثارات العقيمة والانتقام، يغيب فيه العقل والمنطق، وتهمش العقول المستنيرة ورجاحة الأفكار والمنطق، حيث تنقلب الموازين رأسا على عقب. لا مخرج مما نحن فيه دون أن نتجاوز دائرة العنف، ونبحث عن فرص للحوار الندي، بعيداً عن العنف كوسيلة ضغط أو أداة فرض، حوار مشترك فيها الوطن أولاً بعيد عن الأنا والأنانية، حوار للبحث عن صورة للتعايش والعيش الكريم للجميع دون استثناء، نتجاوز فيها ماضينا والعنف الذي شتت الأمة وقطع أوصالها، وشرخ نسيجها الاجتماعي والوطني، حوار تنقح فيه الأفكار والرؤى والمشاريع، بعيدا عن الاتهامات والتكفير، وصب الزيت على النار. يمكن أن نعيش ونتعايش في مربعات سكانية ذات سيادة واستقلالية، يجمعها إطار سياسي واقتصادي وأمني متفق عليه، ينضم العلاقة دستور وقوانين ونظام متفق عليها، بحيث لا ضرر ولا ضرار، في دولة اتحادية تحفظ لكل مربع سيادته واستقلاله وأمنه وكرامته، وتوقف دائرة العنف وتقطع شرايين تغذيتها، لنعيش دون تسيّد وهيمنة لمراكز مقدسة ومناطق تعيش وهم الحق الإلهي أو التاريخي أو السلالي بالحكم والتسيد على الآخرين. غير ذلك ما هو إلا إعادة إنتاج أسباب وفرص للعنف والقهر والظلم والاستبداد، مهما اختلفت أدواته وشعاراته، النتيجة هي ذاتها، دولة فاشلة بكل المقاييس.
أحمد ناصر حميدان
دولة فاشلة بكل المقاييس 1293