الرئيس العطاس سياسي مخضرم تكنوقراط، تجربة وخبرة في الإدارة والحكومة شهد له خصومه قبل أنصاره ومحبيه، رجل بحجم وطن، يعد مؤسسة في تاريخ اليمن الجنوبي، عمل في خضم أهم المراحل والأحداث المحورية في البلد، مثل تطلعات الدولة فيها، عندما يتكلم بخبرته ومكانته، فعلى قليلي الخبرة والكفاءة المبتدئين في السياسة أن يستمعوا جيدا، بتمعن ما يقول لاستشراف الدروس والعبر التي تفيد وتنفع، لمن يريد أن يكتسب معلومة وخبرة ويتعلم، عقلية تستبصر الواقع و تستشرف المستقبل بوعي وتجربة مريرة. هو وغيره من قادة الجنوب الذين خاضوا معترك الصراع مع القوى التقليدية حول بناء الدولة، لا يمكن لثوار اليوم أن يستغنوا عن استشاراتهم، عن دعمهم السياسي والثقافي في الأفكار والرؤى، من يهاجم اليوم الرئيس العطاس على وجهة نظر طرحها رؤية قالها، قد لا تعجب المهاجم، ولا توافق قناعاته، هجوم يعبر عن العقلية الإقصائية التي يعيشها هؤلاء، عن جهل وتخلف وتعصب وصلف، أنهم هم الجنوب، ومشروعهم كتاب مقدس، من ينتقده فقد كفر وجرح مشاعرهم الديكتاتورية الصلفة. هنا يصدم العقل والمنطق مع رجاحة الرأي والاستشارة الصادقة والطرح الوطني، مع العقلية التي لا تريد أن تفهم ولا تتعلم من دروس الماضي وعبره، والخبرات السياسية التي كانت في معترك الصراع والمرحلة، لا تريد أن تستمع لرأي مختلف عن ما هو عالق في الذهنية الصداة. هذه الذهنية جعلت من القضية مناكفة ومهاترة سياسية، أفرغتها من محتواها السياسي والاجتماعي لتتحول لصراع تافه صغير أناني، شق الصف وشتت أوصالنا وأفكارنا ورؤانا، وحولنا لجماعات متناحرة أعداء فرقاء ممزقين. ما أمسنا لتقييم ذواتنا، لتقييم تجربتنا، لتقييم مواقفنا واختياراتنا، للإجابة على الأسئلة التي تدور في أذهان الناس، وهم يشاهدون أحلامهم تنهار طموحاتهم تتساقط، ويتساءلون لماذا وصل حالنا لما نحن إليه من خذلان؟، كلما راودنا أمل بكيان جامع يلم الشمل ويوحد الصف، تبدأ الشخصنة والتكتلات واستدعاء الماضي وصراعاته، مشاحنات وتزاحم على المنصة والمسئولية، وإذا بالجديد أسوأ من القديم. نبدأ بمزاج شعبي موحد وحماس ثوري متوهج، وعندما نختار قيادة تبدأ تفكك هذا المزاج وتحبط هذا الحماس، وتنقلنا من قوى فاعلة ومؤثرة لمجرد أدوات في صراع سلبي مدمر، ويتحولون من قادة لمقاولين لمشروع آخر وهدف آخر لا علاقة له بقضيتنا المحورية. وفي الأخير نكتشف أنهم صغار ويتطاولون على كبارهم ظنا منهم أنهم يعطون لأنفسهم أدواراً في هذه المرحلة التي لا تقبل الكبار وترفض العقلانية وصوت الحق والاستشارة الصادقة، ولهذا ينفرط الناس من حولهم، وكم فقدوا وأفقدوا قضيتنا الكثير، وها هم يفقدون الرئيس العطاس. الناس فوضت لتشكيل كيان جامع، وأين الكيان الجامع؟، لم يستطع هذا الكيان أن يحفظ ما كان يجمع المفوضين، اليوم صاروا شتاتا ونسيجاً ممزقاً، أكثر تناحراً وتنافراً، أكثر اتهاما، ولازالت العقلية تمزق أواصر الجنوب، الناس تنفرط من حولهم، كما قال الرئيس العطاس نحتاج فعلا لاستعادة كيان جامع بدون هؤلاء الفاشلين، الذين استهلكوا وانتهت صلاحياتهم وهم مطأطئو رؤوسهم لأسيادهم لأجل حفنه من المال المدنس، ووعد بالسلطة والجاه، والناس تموت وتقتل على قارعة الطريق، واليوم مهددون بالمجاعة والوباء،وهم في مماحكة والبحث عن موقع في السلطة، متسولين على أبواب الفاعلين في مجلس الأمن والتحالف، بعد انفضت شعبيتهم في الشارع، لأن الناس تدرك جيداً أصالة الفرد من مواقفه تجاهها. سيظل الجنوب قوياً برجاله الأوفياء وقاماته والمناضلين في أحلك الظروف، من المعيب أن يتطاول الصغار على تلك القامات والمزايدة عليهم.
أحمد ناصر حميدان
مصادرة حق الرئيس العطاس 1278