الوطن لا يقتصر على الأرض والجغرافيا والتراب فحسب، بل يتجاوز ذلك ليدخل في الوجدان، الوطن معنى يتجسد في طبيعة القيم والمبادئ والثبات عليها، في الوطن اختلاف وتباين مقتضيات الجغرافيا والتاريخ والعقيدة ومنظومة الأفكار والثقافات، يمكن بالوعي أن تكون فسيفساء تثري الحياة وتجعل من الوطن انتماء، وبالجهل والتعصب والتخلف، تكون مشكلة وخراب، حينما يجعل الفرد منطقته وطائفته وفكره أولوية وحدود انتمائه، فالانتماء ليس حالة ترف، يلهو بها البعض، وتضيق بها الأفق، لتنحصر في نقطة صغيرة من خطوط الطول والعرض، إنما هي حالة جوهرية في الإنسان تبنى على تلك القيم والمبادئ المتشبع بها والأصالة والحضارة والتاريخ. الوطن أنت وأنا وأولئك الذين يجمعهم الضمير النقي والغاية الشريفة، لا التفاخر بما هو أصغر منه، هو أكبر من القبيلة والعشيرة، أكبر من الحزب والجماعات السياسية والمذهبية والطائفية، أكبر من الأفراد والجماعات، الوطن هو الحضن الذي نجتمع فيه متحابين متسامحين متعايشين. هناك من يقتل الوطن، بانتماءات أصغر منه، حينما يتفاخرون بألقابهم المناطقية الضيقة، لا نستطيع منع الناس أن يشهروا ألقابهم المناطقية، بحيث لا حدود الوطن انتماء ومصالح، لا يكتفي البعض بالكنية بل يضاف لقبه المناطقي بنكاية، وفيه ازدراء للوطن كانتماء، هنا العصبية بكل تجلياتها، سلوك متجذرة في نشأته حتى وإن درس وتعلم في أرقى الجامعات، هي جزء من لبنته البنيوية، لم تعد لقب بل انتماء يموت من اجله، هي أولوياتهم أولا ثم الوطن، إنها مصيبة اليمن جنوب وشمال. المفارقة العجيبة،أن الذباب الكتروني يصر على أن إضافة اللقب المناطقي في ذكر أسماء القيادات والشخصيات المؤثرة، ليقول هذا من منطقتنا، ولها معاني كثيرة بتفكير عقيم، قيادات شريفة ونظيفة من كل ذلك مترفعة من العصبية، تقاتل في الجبهات من أجل وطن، يرفضون إشهار ألقابهم المناطقية، ونجد من يصر على أن يجعل المنطقة اسماً يتباهى به وبقيادته، نكاية ومناكفة قذرة بعقم العقلية المتفاخرة بالمنطقة والقبيلة والعشيرة، شوهوا شخصياتهم وقياداتهم ووطنهم، وزجوا بنا في فتنه تستفز الواقع ورداءة الحال، بل استثمار سياسي قذر، هنا داء الحماقة أعيت تنتظر من يداويها، هنا الجهالة والسذاجة والبلاهة والسماجة معا، هنا مشكلة اليمن جنوبا وشمالا، لن يداويها غير وعي مجتمعي يرفضها كلية ويرفض التعامل معها، وعي يفرض قيمه ومبادئه على الجميع دون استثناء، هي قيم الثبات والشموخ والكرامة والعزة لوطن، قيم الأصالة، حينها لن يجد الطامعون ثغرة وشروخ للعبور من خلالها لأثارة الفتن. هكذا تم العبور، باستجلاب الجهل والتخلف والعصبية، استجلب لنا التحالف مغتربين، وقبائل وطوائف، ليرسخ واقعنا اليوم، حيث لا يعي هولا معنى الوطن بغير ما يملكون من ثقافة ومعلومة وسلوك، بعضهم اعتقد أن الوطن كعزبته في الاغتراب، غرفة سكن لا تقبل غير أبناء منطقته، ويتوارثون المهن، كلهم عمال بناشر أو عمال طلاء، أو عمال تلييس،....وهكذا، وبالمثل الطائفة،مرسخا المناطقية بشكلها القبيح، وهي مشكلتنا اليوم على الواقع، مع ترسيخ صراع طائفي مذهبي مدمر، في مجتمع يسود فيه الجهل والتخلف والعصبية، ونخب لا تبالي بالنتائج والتداعيات، والعقد التي تتكون اليوم قد يصعب علينا فكفكتها غدا، والله وحده القادر على ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وانصر لليمن على كل أعدائه المناطقيين والطائفيين والطامعين.
أحمد ناصر حميدان
الوطن والمناطقي 1167