مدينتي عدن الحبية رغم الأوجاع والألم، تظلين عدن بصورتها الجميلة ومخزونها الثقافي والفني والسياسي كسباقة بكل جديد، كجوهرة لآلات يوما في سماء المنطقة، أبهرت السلاطين والأمراء والحكام قبل الرعية، وكانت حلمهم وطموحهم كنموذج لمناطقهم، ينهلون منك العلم والمعرفة، وتمديهم بكل جديد ومفيد، كانت قوافلهم تخرج منك محملة بالبضائع والسلع وكل يشتهيه الإنسان والأرض والعصر والنهضة، وحده الحب والتسامح والتعايش ألذ ما فيك، يرتشف منك الزائر جرعات، من يزور عدن لا بد أن يعود لها، هي تبهر كل الزائرين وتعيش فيهم كصورة جميلة حضارية راقية، منها يتزودون روح التسامح وفكر التعايش والثقافة المدينة ويرتشف جرعات نضالية إنسانية راقية. تذكرت عدن في الذكرى الـ 54 لتأسيس قناة تلفزيون عدن في 1964م، ولا ننسى هنا عدن، من إذاعة عدن التي تأسست في 17 أغسطس 1954م تحت اسم (محطة عدن للإذاعة) كأول إذاعة تقدم خدمات مستقرة في المنطقة، عدن بمخزونها التاريخي في التعليم والثقافة والرياضة والفن بكل فروعه مسرح وسينما وموسيقى. هذا المخزون هو الذي يخفف علينا عناء هذا الزمان البائس، بكل ما يحمله من عنف وقهر وجوع وفقر ومعاناة. السؤال الذي يردده أبناء عدن الطيبين من ضمن كثيرا من الأسئلة التي لا يجدون لها جواب وافي وشافي اليوم. لماذا لا تبث إذاعة عدن وقناة عدن الفضائية من مدينة عدن ؟، من مبناها المهمل والخالي على عروشه بالتواهي، بل المنهوب والمستباح من 1994م الى اليوم، هذا الصرح التاريخي، والإرث الثقافي والفكري والفني المتمثل بالمكتبة التلفزيونية التي استبيحت، ونهبت لصالح قنوات فضائية خاصة لنافذين، وا أسفاه على عدن مالم تجد من يدفع لتعود فيها الروح وتستعيد حقها في الحياة. هل من يستطيع ان يضع النقاط على الحروف ويجيب بكل صراحة عن هذا السؤال، لأن في إجابته تتضح الحقائق عن ما يدور بعدن. الشرعية لها قناة عدن تبث من السعودية، والانقلابين لهم قناة عدن تبث من صنعاء، وعدن نفسها لا تملك إمكانية بث قناتها من صرح مبناها التلفزيون، قناة تعبر عن عدن، تئن أنينها، وتصرخ في وجه العابثين بها، وتهدئ من روعة أبنائها في المحن، تحلل واقعها، تعكس حاضرها، تنقل معاناة الناس وأوجاعهم، وتبحث عن الحلول وإصلاح أحوالها. هل تستطيع الشرعية أن تعيد لعدن روحها بالتدريج، وتعيد لها رونقها، في إعادة صوت عدن النابض، هنا عدن، إذاعة عدن وقناة عدن، لنسمع كل صباح مع قلص شاهي عدني وكم حبة خمير، صباح الخير من بدري وقله يا صباح النور، وأغاني الفن الجميل لعدن، والتي تطربنا كانت تطربنا بها. الواضح عن عدم مقدرتها، بما يعني عدم سيطرتها على عدن كسلطة ودولة، حذرا أو خوفا من أطراف أخرى مليشيات وعصابات وإرهابيين، يسيطرون على القناة والإذاعة ويستخدمونها لأجنداتهم المريضة، والبيان الأول الانقلابي. هذه الحقيقة التي جعلت عدن مرتع للجريمة والقتل والنهب والاغتصاب، وانتهاك الطفولة، وانهيار الاقتصاد والمعيشة والحياة التي لا طعم لها دون دولة بشخصيتها الاعتبارية، التي تحاسب وتعاقب الخارجين عن القانون، ليذهب أمراء الحرب وقادة عصابات النهب والسطو على الأراضي والمتنفسات والنافذين لجحيم العقاب والحساب. هذا واقع عدن الذي جعل الناس تتذكر ذلك التاريخ وتلك الأيام الجميلة وتتحسر على عدن، نظام دولة ديمقراطية ومجلس تشريعي وبوليس وقضاء ونقابات وأحزاب وتظاهرات واحتجاجات شعبية راقية، اليوم تفتقد عدن للدولة الضابطة للحياة .
أحمد ناصر حميدان
عدن في ذكرى 54 قناتها الفضائية 1237