من الطبيعي أن يكون أنصار الله موجودون على طاولة الحوار الوطني كمكون يمني موجود على الأرض، ومن غير الطبيعي القبول بالانقلاب المسلح على مخرجات هذا الحوار وبتلك الحجج الواهية، بفقدان هذه المخرجات للقرار والإرادة الوطنية، إرادة وطنية جعلتهم يأخذون نصيب الأسد في هذا الحوار، وفتحت لهم أبواب السياسة على مصراعيها ليكونوا مكوناً سياسياً واجتماعياً فاعلاً ومؤثراً شريكاً في عملية التحول الموعود لمستقبل منشود، الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، شركاء بأفكارهم ورؤاهم على أمل أن يشعروا بالمسئولية، وتحرجهم هذه الطاولة المتنفس الفكري والسياسي، ويتخلون عن السلاح والعنف ومشروعهم الطائفي والإمامة لحكم الناس بفكرة الاصطفاء الإلهي والمسيدة. لم تتقبل ثقافتي وتجربتي بالحياة، أن مليشيا تحمل السلاح وتلهث بعنف وبوحشية وجهل وتخلف وتحمل ثاراً وانتقاماً، وبذلك النفس الطائفي والسلالي والتمايز الطبقي، أن تكون حالة ثورية تلبي طموحات وآمال الناس في مستقبل ينشدونه، بناء دولة ضامنة للمواطنة، لم أتقبل الجلوس مبحلق في سماع وعظ خزعبلات سيد عن الدولة والمستقبل والحرية والاستقلال، عن الموت لأميركا وإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام، وهو يشرعن القتل والنهب وتفجير المساكن ودور العبادة، واجتياح المدن والمعسكرات، وتدمير كل مدينة وقرية تقف أمام هذا الاجتياح بوابل من الراجمات والصواريخ والسلاح الثقيل، كنت مندهشا لتقبل الناس لوضع كهذا أكثر من اندهاشي للحالة ذاتها، التي كنت أعتقد أنها مرفوضة من كل مثقف وحر ووطني مهما كان توجهه السياسي، هي حالة برهنت حجم التراكمات والأحقاد والروح الانتقامية التي جعلت من البعض القبول بها لتصفية خصومهم على حساب وطن ومستقبل أمة فقدت كل شيء، أمة بسبب ذلك هي اليوم معاقة وكسيحة، ووطن ينهار سيادة وكرامة وواقع سيء ومستقبل مظلم. إنه انقلاب بإعلان الحرب على الجميع، حرب أعلنت بوضوح مضمونها الإقليمي، والدعم الإيراني، الجسر الجوي، وإطلاق سراح المعتقلين الإيرانيين، والمناورة الإيرانية على الحدود السعودية، تهديد واضح للمنطقة، وزج بالبلد في أتون صراع إقليمي، وللحرب تداعياتها في تفكك المجتمعات المتجانسة، وتقضي على فسيفسائها، وتعمل على تحويلها لمجتمعات معاقة وكسيحة، مجتمعات تشكل خطراً على السلم العام لمن حولها، ومن هنا يأتي القلق الإقليمي والدولي، وتتاح الفرصة للتدخل، وكان لهم ذلك. تدخل فوق قدرة الحكومة الشرعية، و واقعنا اليوم برهان واضح لهذا التدخل تحت شعار استعادة الشرعية، وحقيقته حرب إقليمية على الساحة اليمنية فجرها الانقلاب، حرب نزعات مدمرة طائفية ومناطقية وخصومات فاجرة لتراكمات امتدت 1400 عام من التاريخ التناحري . لم يترك للحكومة الشرعية مجال لاستعادة أنفاسها، سيطر الانقلاب على كل شيء وفجر التدخل الإقليمي بؤر التناقضات داخل أطراف الشرعية نفسها، وإذا بنا في معمعة مؤامرة قذرة، تصب نتائجها لصالح النظام الاستبدادي القذر، في البحث عن وكيل حصري يدير أجنداتهم في البلد، واجتثاث كل وطني حر مستقل يرفض الارتهان والعمالة. هو تدمير كل شيء يخص اليمن من السيادة للإرادة للاستقلال والوحدة والمصير والهوية والتاريخ، والأرض والعرض والثروة القومية، للحاضر والمستقبل. لم يكن التدخل يعني المساعدة، فالمساعدة واضحة في المناطق المحررة التي انفلت عيارها وتعيش حالة انهيار في كل شيء سياسي واقتصادي وقيمي وأخلاقي، مناطق محاصرة منافذها، مداخلها ومخارجها، سمائها وأرضها، أمنها ومؤسساتها، إيراداتها ودخلها القومي، مناطق لا يراد لها أن تستقر، وصارت ساحة للموت وتفشي الجريمة وانتشار المخدرات والأوبئة والمرض والفقر والمجاعة، في ظل تغاضي التدخل الإقليمي، ما لم يكن هو ممونها، يغدق بالمال على العصابات والمليشيا لتكن جزءا من المشكلة لا حلا يرى في الأفق المظلم. إنها النكبة والقرار الخاطئ الذي جر البلد لهذا الوحل، ولا حل دون هزيمة الانقلاب، واستعادة الوطن لسيادته وانتهاء مبرر التدخل الإقليمي والدولي لتعود للبلد شرعيته المحمية بشعبه وأحراره من الشرفاء.
أحمد ناصر حميدان
نكبة الانقلاب والتدخل الخارجي 1258