(اللي مضيّع ذهب، بسوق الذهب يلقاه واللي مفارق حبيب، يمكن سنة ويلقاه بس المضيّع وطن، وين الوطن يلقاه) ... عندما تفقد وطنك، أية قيمة تعود لأيّ شيء تفقده بعدها؟ قد تفقد مالاً غزيراً، لكن حياتك تستمر مع الأمل بتعويض ما فقدته من مال.. قد تفقد انساناً عزيزاً، لكنها سُنَّة الحياة التي تتقبّلها، مهما كانت ثقيلة الوطأة.. قد تفقد كل أحلامك وآمالك التي نسجتها صوب التطلُّع لجياة أجمل ومستقبل أفضل، لكنك تظل قادراً على العيش وعلى الحلم.. لكنك اذْ تفقد وطنك، فانك تفقد هويتك، وتغدو رقماً ضئيلاً جداً على هامش العالم.. أينما يمَّمت وجهك، تكون مطارداً بالأسئلة الباردة وبالشكوك الحادة وبالسلوك العدائي، وكأنَّك مصاب بأخطر الأوبئة! جواز سفرك وبيانات انتمائك تدل على أنك شخص مشبوه أو غير مرغوب فيه لدى الآخرين. حتى تلك البلاد التي كانت تفتح أبوابها وذراعيها أمامك، ما عادت تفعل ذلك، بل غدت تغلق كل الأبواب في وجهك، أو تضع أعسر الشروط قبالة امكانية السماح لك بالدخول اليها أو الاقامة فيها. والأشدّ ايلاماً أن الدول التي كانت أحد أكبر الأسباب في دمار وطنك قبل فقدانه، صارت أكثر الدول شراسة في التعامل معد وأكثر أرض الله كراهية لظلّك.. تلفظك كما يلفظ البحر الجيفة، وترفضك كما يرفض البدن أي جسم دخيل عليه.. ولا تستطيع أن تعترض، لأن قادتك وساستك قد وضعوا خدودهم مداساً لحكام تلك الدول. ... شهد اليماني غير تغريبة في مشواره التاريخي، وعرف غير مأساة.. غير أن مأساته وتغريبته اليوم هي الأفدح والأقسى والأشرس والأنكأ. هذا اليماني التي تداولت عليه الدول والحضارات.. هذا اليماني الذي طالما عرف فرج يونس وفرح يعقوب وتقوى يوسف وصبر أيوب، لم يكن ليُقهر يوماً كما يُقهر اليوم ويُخضع البتة كما يُخضع الآن وينهزم وينكسر ويتحطم كما يحدث له الساعة! هذا اليماني الذي عرف كيف يكتب تاريخه ويصنع حضارته.. وعرف كيف يفقه الهه ويصطفي عقيدته.. وعرف كيف يُطوّع الطبيعة لإرادته.. فشل فشلاً ذريعاً في اختيار حكامه وقادته. فلم تكن نكبة اليمن وأهلها يوماً في لحظة دين أو ومضة دنيا.. ولا في ابتلاء سماء أو عناد أرض.. ولا في فيضان نهر أو بركان جبل.. ولا في انهيار سدّ أو دمار حاضرة.. ولا في انكسار جيش أو انحسار مجد.. أنما كانت في عرشٍ مأبون مأفون أستعلى فوق الوطني واستحلى تحت الأجنبي!
حسن عبدالوارث
اللي مضيّع وطن 1140