الاتفاقات الجزئية التي توقع بعد مفاوضات خصوم، غالباً ما تكون عباراتها فضفاضة ولغتها تتيح للأطراف تبرير توقيعها أمام قواعدهم باعتبارهم منتصرين، وتفاهمات السويد بين الحكومة والحوثيين برعاية أممية هي واحدة من هذه الحالات. الوثيقة التي وافق عليها الطرفان بشأن الحديدة خرج كل طرف يدعي أنها لصالحه مستنداً إلى بعض عباراتها، فالحوثي أعد نفسه للقيام بدور القاضي والمتهم وبادر بعض عناصره لاستلام الحديدة من البعض الآخر، والحكومة ما زالت مصرة على القول إنها المخولة باستلام الحديدة، أما الضابط الهولندي فسوف يستمر في تقييم الوضع أين يميل. يستند الحوثي على عبارة (تسليم الحديدة إلى قوات الأمن المحلي)، معتقداً أن ذلك يمنحه حق البقاء فيها، ولو بمسرحية على شاكلة خفر السواحل التي تمت اليوم، أما الحكومة فتستند لتفسيرها أن الحوثي ميلشيا وليست أمنا محليا والتوقيع جاء لإخراجها وليس شرعنة وجودها. هناك عبارة أكثر أهمية وردت في نص اتفاق استوكهولم وهي التي شددت على أن تتم الإجراءات مع احترام ومراعاة القوانين اليمنية. كل العالم يجمع، بما فيه الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقراراتها المتتالية أن من يمثل الشرعية القانونية هو الحكومة اليمنية، وهي بهذا وحدها المخولة بتطبيق القانون وتعيين المسؤولين في مناصب، حتى لو كانوا حوثيين يتم تعيينهم في إطار تفاهمات معينة فلابد أن تصدر بهم قرارات من رئيس الجمهورية وحكومته المعترف بها، وما عدا ذلك فالجماعة الحوثية ميلشيا متمردة وخاضعة للعقوبات بقرارات أجمع عليها العالم واعترف بها الحوثيون وأبرزها قرار 2216. كل هذا في السياق النظري، أما في الميدان فمحاولات تفسير الاتفاقية جارية من طرف الحوثي، إذ إنه كلما وقع مع اليمنيين اتفاق معين سارع بعده لإحداث تغيير لصالحه في موازين القوى على الارض وبذا يكون طوى الورقة الموقعة لصالحه وانتقل نحو الأخرى ليفاوض عنها. فور عودته من السويد، أطلق الحوثي معركة عنيفة من بوابة صرواح الجهة الغربية لمحافظة مأرب، يبدو أنه كان يخطط لاختراق كبير من النقطة الأقرب لمدينة مأرب. تحدثت وسائل إعلامه عن إسقاط صرواح، بل سارع محمد عبدالسلام، وهو أبرز رجالات الحوثي ليعلن إسقاط معسكر كوفل وتهديد مدينة مأرب، يبدو أن المخطط كان مرسوما بذلك الشكل، لكن كل معركته العنيفة أخرجته كاذبا ووراءه جثث لا تحصى. خسر الحوثيون معركتهم في صرواح، شنوا هجوماً آخر في الجوف إضافة لمعركتهم المستمرة منذ أسابيع في نهم، خسروها جميعاً وخسروا ما بعدها، ويحشدون حالياً بكثافة ملحوظة استعدادا لمعركة في تعز! كان الحوثي يتوقع أن اختراقا سيحققه في صرواح كفيل بدفع طاولة المفاوضات للحديث عن مأرب ونسيان الحديدة في يده، فكانت خسارته قاتلة، وهو اليوم يتحدث عن تمكنه من صد العدوان في صرواح بعد أحاديث متبجحة من موقع المهاجم! يبدو أن الحوثي فقد حيلته هذه المرة، أصبح مكشوفاً أمام جماهيره وحشوده الذين واعدهم بقصور الرياض ثم وجدوه يوقع على تسليم الحديدة. لكن لحظات استعادة أنفاسه التي منحتها له مشاورات السويد بشأن الحديدة لن تذهب دون ثمن، وفي تقديري فإنه سيظل يناور ولن يجد مكاناً للعودة إلى نقطة الصفر أنسب من الحديدة ذاتها، هناك ستنفجر الحرب مرة أخرى.
يحيى الثلايا
ما بين السويد وصرواح 880