نستقبل الذكرى الثامنة لثورة فبراير، ثمان سنوات من المخاض الثوري، وأين هو الوعي الثوري، الوعي الذي يحمي الثورة كفكرة فينا، تنمو وتكبر حتى تصل لمرحلة الرشد، يتقوى عودها ويتصلب، وتزداد شعبيتها، لتكون محمية بجماهيرها التواقة لفكرة الثورة كقيمة ومبدأ، قبل أن تكون شعارات وساحات واعتصامات، لتكون عصية على الذوبان في زوابع المصالح والأنانية والإرث العقيم، وفخاخ الماضي اللعين، وتكتل الثورة المضادة. قبل الثورة كان البلد على شفاء هاوية، وأخذ الوضع للتأزم شديد الانقسام بين المصالح الأنانية الضيقة، وبين المصالح العامة، بين وكلاء الطامعين بالوطن أن يبقى معاقا ومنهوبا، مسلوب الإرادة والسيادة، فقيرا محتاجا متسولا، وهو غني في موارده وثرواته، لكنها تذهب لجيوب الفاسدين والناهبين، من النافذين والمتنفذين، بين طبقات فقيرة لا تملك أبسط وسائل الحياة الكريمة والعيش كأناس، وبين طبقات ناهبة وفاسدة تحفظ مصالحها وتنمو رأسماليا وطبقيا على حساب الطبقة الضعيفة المضطهدة والفاقدة للحياة، مجتمع يعاني من الانقسام الحاد الطائفي والمناطقي، كبؤر تفخيخ معده مسبقا للانفجار الذاتي لحماية مصالح النظام وقت الضرورة، وهي فعلا تتفجر من حين لآخر وتصيبنا شظاياها. ولا ننسى الإرث الثقافي العقيم المتوارث، الذي يصبغ وعينا كمجتمع، يعشق التكرار والإعادة لكل مساوئه ومآسيه، مجتمع ماضوي عصي على التغيير، المثل الأعلى لديه أسلافه وزمنهم، في ظل عالم يتغير وواقع يتبدل وأمم تنهض وتتجاوز عثراتها، مجتمع يستجر خلافاته السلبية وصراعاته القاتلة، وثاراته المدمرة، مجتمع كهذا يتكتل طائفياً ومناطقياً أكثر من أن يتكتل وطنياً وإنسانيا، يعشق الانتقام والكراهية والعنصرية، مما جعل من الاختلاف فيه عداوة، والتفرد تمردا، والتغيير انقلابا على الإرث والأعراف البالية. ثمان سنوات من المخاض بين قوى التغيير(الثورة), والقوى العصية على التغيير(الثورة المضادة)، وما يحدث اليوم من فساد ونهب وسطو وبسط وقتل، هي ممارسات تلك العقلية العصية على التغيير، بإصرارها العنيد بحقها بالتسلط والهيمنة والفساد، بما تمتلكه من مصالح وسلطة لتمارس عبثها في خرق للنظام والقانون والقيم والمبادئ الثورية التي لا تعترف بها، ولا تستوعبها كوعي وثقافة، بل تصر إصرارا عنيدا أن تكون بديلا سيئا للنظام البائد.
هذه القوى ترفض الدولة المدنية بمختلف مبرراتها، هي تلتقي في تأييد النظام الاستبدادي الذي يحفظ لها مصالحها، ويولي عليها صنما من أصنام الاستبداد الديني أو العرقي أو السلالي أو الأيدلوجي، تحت طاعة ولي الأمر وتحمل منكراته عنوة، اختلفت الأسباب والهدف واحد. لدينا شرعية، ولدينا مكونات ثورية لها مشاريعها، والكل يصب في إعاقة التغيير الحقيقي لترسيخ نظام يستوعب قيم ومبادئ الثورة الشعبية، وكان النظام السابق وتكتل الثورة المضادة انقسم بين كل الأطراف، ليؤدي دور إعاقة التغيير، لازال الفساد في أشده، دون حياء ولا خوف من الثورة، ولازال العبث بكل أشكاله يمارس في وضح النهار والظلم قائم على المواطن البسيط. الشكوى اليوم من الكل موظفين متقاعدين قطاع خاص ورأس مال، جنود وعسكر مقاتلين في الجبهات، جرحى وأسر الشهداء، معسكرات يقودها مؤمنون بالله ورسوله، ولا يؤمنون بالعدل والحق والمساواة، يبتزون الجنود في رواتبهم، ويتسلطون على الناس، يمارس الظلم في ظل ولايتهم، ولا تتحرك فيهم شعره لأنصاف المظلومين، شكوى جنود من معسكر في عدن. أي رهان على مثل هؤلاء القادة في بناء وطن العدل والحرية والمساواة، والظلم ظلمات الدنيا، والنتيجة أموال الحرام تؤسس لطبقات أخرى، لها مصالحها اليوم، تتعارض مع مصالح الناس صارت عبئاً على المواطن والمستقبل المنشود، تتفجر معارك جانبية لحفظ هذه المصالح، في ظل مخاض الثورة الذي لازال قائماً، بالوعي يمكن أن ينتصر الناس لمصالحهم ضد المصالح الضيقة والانانية التي تعيق الثورة وتعسر مخاضها.