موكب الزعيم صورة من الماضي العقيم, جعلني أتذكر مسيرة حياة, والأحلام الطوباوية, بعمر تعصف به العلل, وجسد مصاب بالوهن, تذكرت طفولتي والابتهاج بيوم الاستقلال المجيد, ونحن نحمل علم الجبهة القومية, الذي أصابته لعنة الأحفاد اليوم, تذكرت زحف الجماهير لعدن وهي تهتف بشعارات وطنية, وأحلامنا بالاشتراكية, كنت جزءاً من مخاض مرحلة الثورة الوطنية التي كان مبرر حمايتها انتهاك حلم الآخر, شقت طريقها فوق أشلاء وجثث الآخر, لا مكان فيها لغير الاشتراكية العلمية, مسحورون بوعد تلاشي الفوارق الطبقية والمدينة الفاضلة على قول جدتي (سنقطف حبات التفاح من نافذة المنزل). شاركت في مسيرات تخفيض الرواتب واجب, وإحراق الشوادر واجب, وتأميم المساكن واجب, وزغاريد وأناشيد الابتهاج بالإنجازات العظيمة, لم أكن حينها أشعر بقهر أصحاب الحق, وعرفت متأخرا قصة من قضى نحبه مصدوما بضياع شقاء العمر, ضاع العمر في انتظار حلم طوباوي يبرر انتهاكنا لأحلام الآخرين. الحقيقة أنها كانت تجربة لم يستوعب الواهمون اليوم دروسها وعبرها, لم يستوعبوا مصائب الارتهان لقوى دولية أو إقليمية, والارتهان للعنف, لم تنفع أكبر ترسانة أسلحة وصواريخ عابرة للقارات, ولا هدير عنتر في زمن الوصاية, سقطت الوصاية وتهاوى كل شيء, ولم يبق غير الذنوب والخطايا, ولعنة الأرواح البريئة وسفك دماء المعارضين تطارد الرفاق, الذين قاتلوا بعض في الشوارع, وإذا بهم لقمة صائغة لطاهش الحوبان, وانتقام معارضيهم والمقصين والمظلومين من حكمهم, واعتذروا عن حلمهم الطفولي المراهق, واعترفوا انهم شباب طائش متهور, فاعتبروا يا أولي الألباب!. هذه أحلام أنانية, لازالت تسكن البعض اليوم, لا تراعي حق الآخر بالحلم كشريك في الحياة, ولا تحفظ تنوع المجتمع والمواطنة, وتعزز من فسيفسائه التي تعطي الحياة جمالا ورونق من السعادة والنهضة والتطور لمواكبة العصر والمرحلة. اليوم المواطن البسيط يحلم بالدولة التي تضمن له الحياة الكريمة والمحترمة, بالدولة الاتحادية الضامنة للمواطنة والتنوع الفكري والثقافي والديمقراطية والتعدد السياسي, والسياسي ملعون بالديماغوجية، بالتلاعب بعواطف الطامحين بهذا الحلم ووعد الحرية والاستقلال, مواطن منهك من النفاق والحيل والوعود الكاذبة, والشائعات وتغييب الحقائق, وسائل قذرة للسيطرة على السلطة والوصول لمناصب سياسية عليا, أو حتى تفويضاً لسلطة مطلقة, تنتج مفسدة مطلقة, التخلص منها مكلف ينقلنا من صراع لصراع, لازال السياسي ملعوناً بالارتهان لأجندات تضر الحلم العام, وتجعل منه مشكلة ينتج مزيد من المشكلات, ويضاعف حجم التراكمات, لا يفكر بالثمن الذي يدفعه المواطن اليوم من صلف العقلية السياسية المرهونة والواهمة بالسلطة والزعامة. موكب الزعيم هو صورة من الماضي اللعين, لا يساوي شيء امام مواكب من سبقوه في مضمار النفاق السياسي, موكب تقزم في مجتمع كوته نار الصراعات والزعامات الديماغوجية, عصرته لعنة السياسي الذي لا يراعي حق المواطن الآخر في الحياة, ولا يسمع صوت انين الوجع, والم الظلم والقهر. عدن اليوم تنتهك, تنهب يبسط على أراضيها ومعالمها التاريخية وإرثها الثقافي والفكري وإنجازات الهامش الديمقراطي وتجريف تعددها السياسي والفكري وتاريخها وشواهده بل تسلب هويتها, تعم فيها الفوضى المعطلة للدولة كمؤسسات ونظام وقانون وقضاء ونيابة, والناهبون والمعطلون في موكب الزعيم يرفعون راية الزعيم, وعندما تخاطبهم, يكون الرد نستعيد حقنا كجنوب, الجنوب اليوم راية تستغل أسوأ استغلال في الفساد والنهب والبسط والانتهاك والفوضى المعطلة, كم ننتظر حتى يصحو هذا الموكب ليعلن أنهم شباب طائش متهور, ويقدم الاعتذار لهذا الشعب والمواطن الحالم بالدولة الضامنة للمواطنة والتبادل السلمي للسلطة المتعطش للنهضة والتطور, الذي لم يعد يقبل مواكب الزعيم المفدى وهو يمر على أشلاء معارضيه ويهدد حياتهم.
أحمد ناصر حميدان
موكب الزعيم الديماغوجي 1327