منذ أن أمر الرئيس هادي بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، والمتاعب تتوالى على هذا البنك وتؤثر بعمق على دوره وعلى قدراته في إدارة السياسة النقدية في البلاد. أكثر هذه المتاعب سوءاً أن البنك لا يتمتع بالحصانة التي تحميه من الهجمات الهمجية للعناصر المسلحة المنفلتة.
القوات السعودية التي تتحكم بالمشهد العسكري والأمني في عدن، يتواجد عدد من عناصرها كجزء من حماية البنك المركزي الذي استكمل استخدام وديعة سعودية بقيمة ملياري دولار ويبحث عن وديعة أخرى، لكن هذه القوات لم تحرك ساكناً إزاء هجوم غريب قامت به مساء أمس الخميس التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، قوات أمنية معظم عناصرها من محافظة الضالع، على هذا البنك، وانتهى باعتقال مدير الموازنة بوزارة الداخلية العقيد نايف الحميدي.
وزارة الداخلية ووزيرها أحمد الميسري مثلا ويمثلان رأس حربة ضد الانقلاب الذي نفذته قوات مدعومة من الإمارات ضد السلطة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، وبلغ ذروته في العاشر من شهر أغسطس/ آب الماضي، وانتهي بطرد السلطة الشرعية بالكامل من هذه المدينة.
لا يخفى على المراقب أن جزء من هذه العمليات التخريبية تتغذى على التباينات المناطقية التي تستجر إرثاً من الصراع الدموي بين المكونات الاجتماعية والعشائرية والجهوية في جنوب اليمن، وتعتمد عليه الإمارات بشكل خاص من أجل بقاء هذا الجزء من البلاد ضعيفاً ومسيطراً عليه بما يسمح بتمرير الأجندة التوسعية للإمارات والتي تعاني من تراجع حقيقي رغم المحاولات المستميتة التي يبذلها ما تبقى من قواتها في عدن وبلحاف وحضرموت.
تبدأ الحكاية عندما هاجمت قوات جاءت على متن عشرات السيارات ومدرعتين، بقيادة مدير مكتب شرطة عدن العقيد عبد الدائم، البنك المركزي وقامت باعتقال العقيد نايف الحميدي، الذي سبق وتعرض قبل أسبوع فقط لمحاولة منع استكمال إجراءات سحب مرتبات وزارة الداخلية من قبل العقيد عبد الناصر صبيرة الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتزامنت عملية الاختطاف المسلحة التي نفذتها قوات شلال بحق موظف بارز في الداخلية، مع اتهامات صادرة عن الوزارة لجهات في البنك المركزي اليمني بعرقلة صرف رواتب منتسبيها عبر عدم اعتماد الختم الجديد للوزارة الذي سبق وأن اعتمد البنكُ استمارات صرف وشيكات تخص مرتبات الشهرين الماضيين ممهورة بذات الختم.
القضية إذا تتمحور حول مهمة حثيثة يقوم بها أنصار الانتقالي والإمارات لحرمان وزارة الداخلية ومنتسبيها من الحصول على مرتباتهم، كإجراء عقابي واضح يستهدف هذه الوزارة التي لا تزال تواجه مخطط تمرير الانقلاب الموصل إلى أهداف الانفصال تفكيك الدولة اليمنية.
لذا لا يجب أن نستغرب ونحن نشاهد بنك البنوك الذي يفترض أن يكون محصناً ومحايداً وقد تحول إلى ساحة مستباحة لتصفية الحسابات بين انقلابي المجلس الانتقالي المدعومين من الإمارات وبين وزارة الداخلية رأس الحربة في مواجهة هذا الانقلاب.
إنها المواجهة التي تتقاطع فيها الأجندات السياسية مع حالة استقطاب تغذي الموجة الجديدة من الصراعات المناطقية في المحافظات الجنوبية.