في مستهل السنة السادسة للحرب التي تشير إلى التدخل العسكري الواسع النطاق لتحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية، يبرز أعداء المشروع الوطني والانقلابيون والانفصاليون أقوياء أكثر مما كانوا عليه قبل بدء هذا التدخل العسكري.
هذه المرة تتقاسم السلطة الشرعية مع قائدة التحالف على حد سواء النتائج السلبية والمحرجة جداً للحرب التي يفترض أن التحالف بقيادة السعودية يشنها على الانقلابيين الحوثيين، وإذا به يخفف الضغط عنهم ويعفيهم من تبعات المعركة المصيرية في الحديدة وينصرف نحو الجنوب ليفخخه ويستزرع انقلاباً جديداً ويتعهده بالرعاية الكاملة ويحصنه باتفاق لا يختلف كثيرا عن اتفاق السلم والشراكة الذي وضع الدولة تحت تصرف الحوثيين حلفاء إيران المخلصين.
لم يحظ الحوثيون بفرصة أفضل من التي وفرها التحالف خصوصاً خلال العامين الأخيرين عندما استطاعت أبوظبي أن تفرض تصورها الخاص للتعاطي مع اليمن باعتباره فضاء جغرافي يسرح فيه أعداء كثيرون اخطرهم حلفاء التحالف نفسه، الذين يحلو لأبوظبي وصفهم بـ: جماعة الإخوان المسلمين” قاصدة بالضبط ذلك الطيف الواسع من اليمنيين الذين انتصروا لثورة فبراير واستهدفتهم الثورة المضادة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وباتوا هدفاً أيضاً لثورة مضادة إقليمية انطلقت في 26 مارس/ آذار 2015 في شكل تحالف عربي لدعم الشرعية ودحر المد الإيراني تحمل صفة عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل.
اليوم السعودية أمام خيار صعب فقد حصر الحوثيون مساحة التفاوض بشأن الطيار السعودي الأسير وبضعة ضباط وجنود سعوديين وقعوا في أسر الميلشيا الحوثية، باشتراطهم إطلاق سراح قادة من حماس يقبعون في السجون السعودية بل ويتعرضون للمحاكمة.
وبقدر ما يندرج عرض الحوثيين هذا في إطار المتاجرة السياسية بالقضايا العادلة، فإنهم أيضاً أرادوا أن يظهروا من خلاله بمظهر القوي الذي بوسعه أن يلوي ذراع القوة العسكرية الإقليمية الكبرى، ومرسلين إشارات إلى أنصارهم بأن النصر على السعودية مسألة وقت، بالإضافة إلى ما يشكل موقف كهذا من تشويش على مواقف الطيف الواسع من الرافضين لانقلاب الحوثي في داخل اليمن وخارجه والذين يعلمون جيداً حقيقة المشروع الحوثي باعتباره نكبة جديدة إذا ما قدر له أن ينتصر.
يستغرب المرء من سلوك السعودية الذي بلغ حد الغطرسة والفجور في التعامل مع من يفترض أنهم جزء من قوتها الناعمة، فقد جعلت أولويتها القصوى إرضاء واشنطن وتل أبيب، وغيرت موقفها من حماس 180 درجة، من دولة تتوسط وتمتلك وزناً يساعدها على الفصل في الخلافات الفلسطينية وإسناد القضية الفلسطينية، إلى تبني نهج عدائي من حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة والتعامل مع الحركة وقادتها على أنهم إرهابيون.
ما كان أغناها عن هذا النهج الذي يأتي في الوقت الذي لا يتوقف فيه ترامب عن ابتزاز السعودية والتخلي عنها في أكثر المنعطفات خطوة وأهمية، مثال على ذلك تخليه عن إسناد موقف الرياض التي تعرضت لهجوم خطير تقف إيران وراءه، واستهدف منشآتها النفطية وأدى إلى تعطيل نصف إنتاجها النفطي.
والأهم من ذلك هو أن السعودية عملت الكثير لكي تضعف حليفها الأصيل في الداخل اليمني وهي السلطة الشرعية والمعسكر واسع الطيف الذي يقف خلف هذه الشرعية، والذي بلغ حد اليأس من إمكانية مواصلة المعركة وتحقيق أهدافها في ظل هذا الاستهداف والخذلان والنيل الممنهج من معنويات الجيش الوطني والقوى السياسية والشخصيات التي تشكل واجهة المعسكر العريض الموالي للشرعية والمؤيد لتحقيق أهداف المشروع الوطني.