يحتفل المؤتمر الشعبي العام خلال هذا الشهر بذكرى تأسيسه الثامنة والثلاثين ، ليكون بذلك عميد الأحزاب اليمنية ، إلا أن التاريخ وحده لا يشفع أمام التحديات التي تواجهه في الساحة الوطنية ولعل أهمها استمرار تحالفه مع الحوثي ، هذا التحالف الذي ينهي الدولة ويطمس الهوية الوطنية ويعمل على تقوية أركان التطرف العنصري للحوثيين وبالمقابل يهد أعمدة الحزب من منطلق توفير الأمن للمتحوثيين بعيدا عن قواعد الحزب وكوادره .
نحن على أبواب ٢٤ أغسطس الذي يروي لنا ذكرياته بعد ٣٨ عاما ، يأتي وفي جعبته هذه المرة فشل وخيانات ومؤامرات ملطخة بدم المؤتمريين قيادات وقواعد ، فلم نعد في خسارة صنعاء لوحدها ، بل هناك خسارة لعدن أيضا ، فقد خرج الحوثي من عدن ليظهر فيها عدو آخر لا يقل شراسة ، ولم يعد هم الإمارات في جزرها المحتلة من إيران ، بل في سقطرى ، وإن اختلف الانقلاب هنا وهناك إلا أن العامل المشترك بينهما المؤتمر كرافعة لهما وحاضنة شعبية للمدد .
ومثلما تعلق صور المحتلين كأوسمة على الصدور ، يقف مذيع في قناة اليمن اليوم بصنعاء يطلق على عبد الملك الحوثي " سيد المجاهدين " ، لقب جديد لم يعط لأحد في تاريخ المسلمين ، فالمرارة ليست يوما واحدا ، المرارة يوم بعد يوم ، خيبة بعد خيبة ومشهد قيادات المؤتمر في صنعاء على أبواب اللجنة الثورية يعيد اليمن نصف قرن إلى الوراء .
نحن أمام قيادات تتحرك بدافع السعي إلى امتيازات أو منافع بدلا من بذل التضحية ، لذلك فقدت المصداقية واستغرقت في العجز وأصابت القواعد بالإحباط والأطر التنظيمية بالشلل والفوضى والانتهازية وشارف الكثير منها على التفكك ، بعد أن سورت هذه القيادة نفسها بهاجس الخوف وجعلوا من المؤتمر يقوم بدور الدرع الحامي للحوثيين .
انتظرت قواعد المؤتمر لما يزيد عن الثلاث سنوات أن تقوم قيادات الحزب بدورها في قيادة وتوجيه الانتفاضة التي بدأها الزعيم والأمين العام ، إلا أن هذه القيادات غير مستعدة لدفع الثمن لأنها تتعامل مع القيادة كامتياز مالي وليس تضحية ودفاع عن الحزب وقواعده ، من أجل ذلك تقاتل هذه القيادات في الدفاع عن الحوثيين وتنويم القواعد عن المطالبة بحقوقها وإجهاض أي تحرك بهذا الاتجاه .
يدمرون القاعدة الجماهيرية والنسيج الاجتماعي ويحرفون مبادئ النظام الجمهوري الذي قام عليه الحزب ، وهناك من يطلق عليهم هامات وسبتمبريين وجمهوريين ويزعمون أنهم مناضلون وأنهم يعملون من أجل الوطن ، والحقيقة أنهم لم يعملوا شيئا سوى الحفاظ على مواقعهم وعقاراتهم التي جمعوها من الفساد ، ويحمونها بالشراكة مع الملكيين بدلا من الشراكة مع الجمهوريين .
أفرغت هذه القيادة الحزب من مبادئه التي قام عليها وقوضت استراتيجياته ، حيث حل التطبيع مع الكهنوت محل مواجهته ، وهكذا بات الحزب مشلول من حيث قدرته على تعبئة القاعدة الشعبية ، لكن بالمقابل هناك جيل داخل المؤتمر يحاول التقاط زمام المبادرة في إعادة صياغة علاقة الحزب مع عصابة الحوثي بوصفها علاقة صراع وليس تفاهم .
ولست أدري هل مازالت هذه القيادات التي تتأهب للاحتفال بتبعيتها للحوثي تدرك أن أقوى ما تملكه حتى إشعار آخر هو ما تبقى لها من صداقات مع العالم الخارجي ، صداقات يستحسن عدم تبديدها بعد اليوم بالانخراط في شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل كذريعة لقتل اليمنيين .
منذ ٢٠١٤ ، احترفت عصابة الحوثي ، وعلى أوسع نطاق قتل الشعب اليمني وتهجيره مما يدل على استرخاصها لليمنيين وممارستها البربرية غير المسبوقة ، والسؤال الذي يطرح نفسه : إلى متى سيبقى اليمني رخيصا تقتله عصابة إرهابية تستند إلى القرابات الدموية والطائفية ؟
وإلى متى ستظل قيادات المؤتمر تشكل مظلة سياسية لهذه العصابة وتساعدها في تغير التركيبة الديمغرافية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها ؟ لا تملك هذه القيادات أي منطق يقنعنا باستمرار العلاقة بين حزب جمهوري وجماعة كهنوتية تجاهر باحتفالها بعيد الولاية لعبد الملك الحوثي ، وقد شاهدتم جميعا قيادات محسوبة على المؤتمر وهي تدشن الاحتفالات بعيد الغدر ، ومن ورائها قيادات في الخارج تصفق لهذه الخطابات لكي تحمي عقاراتها في صنعاء .