في مكان حصين يقع غرب مدينة عدن، وحيث يقع المقر الرئيس لقيادة القوات السعودية المرابطة في هذه المدينة، استقرت الحكومة اليمنية الجديدة برئاسة الدكتور معين عبد الملك سعيد، في ظل ظروف أمنية وعسكرية بالغة الصعوبة، وأملها أن تُدشِّنَ عهداً جديداً مع بداية العام الميلادي الحالي 2021، يعوض الخسارة الفادحة التي مُنيت بها البلاد على مختلف المستويات خلال العام المنصرم والأعوام التي سبقته من زمن الحرب.
كان يفترض أن تستقر الحكومة في قصر معاشيق في مدينة كريتر التي نشأت منها وتوسعت عدن الكبرى إلى أحياء أخرى جديدة، وهذا القصر الرئاسي عبارة عن عدة مبان أشبه بمنتجع مغلق يقع في سفح جبل شمسان ويطل على خليج عدن.
لكن الاستقبال الدموي للحكومة في مطار عدن، أعطى إشارة قوية على الوضعية الحرجة للحكومة، خصوصاً أن التهديد يأتي من القوى التي تتمتع بنفوذ أمني وعسكري في عدن، تهديد لا يحجبه الحديث المتكرر من جانب الحكومة عن مسؤولية الحوثين عن الهجوم الصاروخي على مطار عدن الدولي.
لذا يجب أن تبقى الرواية التي تتهم الحوثيين حصرياً بالمسؤولية عن الهجوم قابلةً للنقاش، على الرغم من أن الحوثيين هم العدو الأكثر سوءا لليمنيين والتهديد الوجودي الأخطر لحاضرهم ومستقبلهم، وهذا يستدعي تحقيقاً مهنيا ومحايداً من شأنه أن يوفر رواية متماسكة وحقائق ثابتة بشأن منفذي الهجوم الإرهابي.
فثمة مؤشرات على أن التهديد الذي يطال الحكومة داخليٌ، وهذا يفسر لماذا يتكرس وضع الحكومة كرهينة أو شبه عهدة سعودية مستديمة، تتجلى في حاجتها إلى الحماية المباشرة من القوات السعودية، ولكونها تتخذ من معسكر سعودي حصين في غرب المدينة مقراً لها ولاجتماعاتها، وذلك يعني في المحصلة أن هذه الحكومة لا تزال حرفياً في وضعية حكومة المنفى.
مخاوف الحكومة تأتي إذا من الشريك السياسي المسلح، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي ومن خلفه أبو ظبي، والذي لا يبدو بريئاً من الهجوم على مطار عدن، ولا يبدو مستعدا حتى الآن للقبول بالوضع الجديد الذي يكرسه اتفاق الرياض، ويفرضه على الجميع، بعد تعثر دام أكثر من عام.
فلا يزال هذا المجلس يفرض منطقه الخاص في مدينة عدن كما في الضالع وأجزاء من محافظتي أبين ولحج المجاورتين وفي محافظة أرخبيل سقطرى، ممسكاً بمفاصل القوة العسكرية والأمنية دونما نية للإقرار بحق الحكومة التي أصبح جزءا منها؛ في استعادة صلاحياتها السياسية العسكرية والأمنية والاقتصادية في العاصمة السياسية المؤقتة وفي غيرها من المحافظات الواقعة في جنوب البلاد.
أثارت عودة الحكومة قدراً كبيراً من التفاؤل والأمل، وانعكس ذلك على انتعاش فوري للعملة الوطنية (الريال)، ولكن يبدو أن الحكومة ستغرق في تفاصيل الأولويات الأمنية وهي أعجز من أن تحقق اختراقاً حقيقياً في هذا الملف، بعد أن عجز الرئيس وسلطته الشرعية عن استكمال هذا الاستحقاق قبل اعتماد الحكومة وأدائها اليمين الدستورية، وعودتها إلى مدينة عدن طبقاً لما نص عليه اتفاق الرياض.
يجدر القول إن حكومة الكفاءات تحظى برئيس جيد رغم كل ما يقال عنه، فالدكتور معين عبد الملك شاب "تكنوقراط" بالنظر إلى مؤهلاته العملية والتقنية، التي يجسد من خلالها الخبرة التي تحتاجها البلاد في هذه المرحلة. وقد حظي عبد الملك بفرصة ممتازة لبناء مهاراته القيادية خلال العقد المنصرم، عندما انخرط في خضم العملية السياسية كأحد الكفاءات التي أدارت مؤتمر الحوار الوطني الشامل، إلى جانب خبراته العملية واتصالاته المتميزة مع المنظمات الدولية.
لكنه يعاني بالنسبة لمنتقديه من ثقل القيود التي وضعتها السعودية والإمارات على يديه ثمناً لبقائه رئيساً للحكومة، على نحو بدا معه لهؤلاء المنتقدين رجل السعودية والإمارات لا رجل المرحلة اليمنية الاستثنائية، ومع ذلك ليست المشكلة في كونه الرجل الذي فرضته السعودية، التي تستطيع أن تفرض غيره في ظل تسلمها قياد المرحلة وسيطرتها على القرار السيادي لليمن.
الأمر ذاته بالنسبة لمعظم وزراء الحكومة الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة، على نحو يحقق جزء من مهم من المعنى الذي يحمله اسمها، كحكومة كفاءات، لكن من المؤسف أن الحكومة تتحرك في مدينة تحكمها مليشيات، وفي بيئة سياسية مليئة بالألغام، ولا يزال المتربصون بها يضعون المزيد من هذه الألغام لدفعها إلى الانسحاب من العاصمة السياسية المؤقتة تحت وقع المخاوف والتهديدات المصطنعة.
وحين يتحقق ذلك سيكون من السهل على الوزراء الذين ينتمون إلى المجلس الانتقالي الادعاء بأنهم شجعان بما فيه الكفاية للثبات والبقاء في عدن، وهو هو ما تريده أبو ظبي وحاكمها الفعلي محمد بن زايد.
فهل يتوجب علينا أن نتفاءل لأن الحكومة الجديدة وصلت أخيراً إلى عدن لمباشرة عملها، بعد أن أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي في العاصمة السعودية الرياض، واستقبلت في مطار عدن الدولي استقبالاً دموياً عنيفاً؟
في اعتقادي أن التفاؤل مطلوبٌ في كل الأحوال، لكن هذا التفاؤل لا يجب أن يأخذنا بعيداً أو يتجاوز بنا الواقع أو يدفعنا إلى تجاهل الحقائق الناصعة، ومنها أن هذه الحكومة تشكلت وفقاً لاتفاق الرياض الذي يعد مجرد تفريعة من المسار الرئيس للأزمة والحرب في اليمن، في محاولة لتثبيت المكاسب السياسية للمتمردين والانقلابيين الجنوبيين الذين شكلوا تهديداً وجودياً للسلطة الشرعية، قبل أن يصبحوا جزءا منها.
فالوزراء الشماليون في الحكومة يعيشون في وضعية اللاجئ في عدن التي يسيطر عليها انفصاليون مرتهنون بالكامل للأجندة الإماراتية، ولا يمتلك هؤلاء الوزراء ترف العودة إلى مسقط رأسهم، لأن دون ذلك معركة كبيرة يتعين خوضها ضد الحوثيين، وهي المعركة التي لا يبدو أن التحالف في وارد تقديم الدعم لها رغم ادعاءاته.