تعاقب على الأزمة اليمنية أربعة مبعوثين أمميين ، كان لكل واحد منهم دور يؤديه ، فجمال بنعمر كان دوره التهيئة للحرب وإذكاء أوارها ، ابتداء من زياراته المتكررة إلى بوابة جامعة صنعاء التي أسميت بساحة التغيير وتحريضه للشباب على الفوضى ودعوتهم إلى إسقاط النظام وقال عبارته المشهورة : " لا حصانة لأي منتهك لحقوق الإنسان ولا مساومة تسمح لأي قاتل النجاة من العقاب ، يوم كان عدد القتلى ٥٠ واحدا ، وحينما بلغ عدد القتلى مئات الآلاف في عهد الحوثي صمت عن هذه الحقوق ويطالب بإسقاط القرار ٢٢١٦، الذي يدين عدوان الحوثي على اليمنيين .
ظل بنعمر منذ ٢٠١١ وحتى ٢٠١٤، يضخم نجاحات هشة وضئيلة ويبسط قضايا ساخنة وملحة ، جعل من نفسه قاضيا يعاقب أشخاصا ويلوح بمعاقبة كل من يفضح دوره وحول مجلس الأمن إلى سيف مسلط على رقاب من يطالبون باستعادة القرار الوطني الذي صادره وعبث به ، وقد تدخل في تشكيل مؤتمر الحوار الوطني على مبدأ الصراع وليس على مبدأ الحل ، وبعد أن تدخل في كل شيء في اليمن ، بما في ذلك المبادرة الخليجية التي أفرغها من محتواها وحولها من مبادرة مزمنة مدتها سنتين إلى مبادرة إنجاز تقوم على ما تحقق وليس على الزمن ، ولما أدرك أنه سيتم تغيره ، قال في آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن ، يجب منح اليمنيين الفرصة لتقرير مستقبلهم بحرية دون تدخل خارجي ، بعد أن كان قد تدخل في كل شيء وأشرف على وصول الحوثي إلى صنعاء وشرعن لهم بالتوقيع على اتفاق السلم والشراكة الذي صاغه مع زعيم عصابة الحوثي من دون أن يطلع أحدا عليه .
كان بنعمر مهندس الحرب ومفجرها، فقد ألغى الشق الثاني من المبادرة الخليجية الذي يتحدث عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية بإلغائه للجنة التفسيرية وظل يردد ويكذب خلال فترة وجوده بأنه أنجز ٩٠ ٠/٠
من المصالحة، لكنه اتضح بعد ذلك أنه كان قد أنجز تسعين بالمائة من التهيئة للحرب، كان دور بنعمر تدمير الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وقد أنجز ذلك بكل كفاءة بالتهيئة للحرب بين أطراف هي أعداء لليمن ولمشروعها الديمقراطي .
يكذب بنعمر مثلما يتنفس، فقد زعم أنه كان مكبا في مكتبه على صياغة اتفاق تقاسم السلطة يضع حدا لاستيلاء الحوثيين على مفاصل الدولة، ويمنع نشوب حرب، لكن بدون سابق إنذار بدأت الغارات الجوية، وهو طبعا يتجاوز ٦ أشهر من دخول الحوثيين صنعاء وتمددهم حتى عدن قبل أن يستجلبوا العدوان الخارجي الذي جاء أيضا لدعمهم وتسهيل الطريق أمامهم في تدمير الجيش الذي حرص بنعمر على تفكيكه تحت ذريعة الهيكلة .
بعد أن استكمل بنعمر التهيئة للحرب أرسل إسماعيل ولد الشيخ لكي يشرف على الحلقة الثانية من الحرب وتخدير اليمنيين بمفاوضات مكوكية لم يتحقق منها شيئا ، ثم عززت الأمم المتحدة بغريفيث الذي تشرف بلاده على الملف اليمني وكان دوره تعطيل أي تقدم في أي جبهة تستهدف الحوثي ، فأنجز اتفاق ستوكهولم الذي منع الحوثي من هزيمة محققة وسلم لهم من خزينة فرع البنك المركزي في الحديدة ما يربو عن ٨٠٠ مليار ريال يمني ، واليوم نحن أمام غريندبرغ الذي يقوم بزيارات لأشخاص في عواصم الدول المختلفة لاستقطاع الوقت والتهيئة لإسقاط القرار ٢٢١٦، لنعود إلى المربع الأول .
ثمة سمة وطنية عامة في اليمن ، وهي أننا لا نرى المشكلة إلا بعد أن تسقط على رؤوسنا ، كان يفترض بقيادة الأحزاب والنخب السياسية أن تتحرك لمنع تدمير اليمن ، بعد أن رأت كيف تتخادم الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وبريطانيا وحكومات الدول الأوروبية على إدارة الحرب في اليمن لصالح عصابة الحوثي الإرهابية التي يتم زرعها في اليمن على غرار زراعة إسرائيل في فلسطين ، كانت الإدارة الأمريكية تطالب الرئيس صالح بسرعة مغادرة السلطة في العام ٢٠١١ وتتهمه بأنه يقتل شعبه وحينما قتل الحوثي مئات الآلاف من اليمنيين ، قال السفير الامريكي ماثيو تولر بأن بلاده لا تملك نفوذ على الأطراف اليمنية لغرض وقف إطلاق النار ، وهنا يجب على اليمنيين أن ينظموا أنفسهم لمواجهة كل هذه الأطراف والمطالبة بإعمال الشرعية الدولية .