ظاهرة الأقيال اليمنية ، التي برزت الى السطح مؤخراً، كحراك اجتماعي ، وسياسي ، ذي نزعة قومية ، قحطانية حميرية وسبئية ، ومذحجية لم تكن وليدة في محتواها، وإنما هي حراك مجتمعي له جذوره التاريخية ، وبواعثه التي تطفح أحياناً ، وتنكمش أحياناً كثيرة، ومن الطبيعي أن يتفاوت الناس في تقييمه، ما بين مادح وقادح، وحامد وذام ، وهو ما يعني أن كلّ جهةٍ قد نظرت إلى زاوية في هذا الحراك ، لذا كان لابد من وقفة شرعية وسياسية على مضامينه ، وبواعثه .
الأسباب :-
يتضح من خلال ما طرح أن ظاهرة الأقيال لها أسباب وحيثيات مختلفة منها :-
1- أسباب موضوعية .
بمعنى أن كلّ شعوب الأرض لها ماضٍ، وتاريخٌ تنزع إليه ، وقد يتعدد النظر إلى هذا التاريخ من جهة ما ينفع ، وما لا ينفع ، وما هو محمود ، وما هو مذموم ، لكن في المحصلة لا يكاد يوجد شعب، إلا ويتغنى بتاريخه وأمجاده ، وتلك ظاهرة مفهومة ومنزع بشري فطري لا يمكن إنكاره وجحوده .
2- أسباب تدافعية .
من قبيل سنة التدافع ومواجهة ثقافة بثقافة وعصبية بعصبية وتحديات بمثلها ولعل هذا هو الأبرز ، وبخاصة ، بعد ظهور فتنة الحوثيين العنصرية ، والتي أعادت إنتاجها من خلال بعث موروثها الطبقي في اليمن، والمبني على منزع عرقي، يرى لنفسه أحقية إلهية في الحكم ، وأفضلية عنصرية على بقية الناس ، مصحوباً بمليشيات مسلحة - مدعومة إيرانياً - مسارها في جميع محطاتها سفك الدماء ، وانتهاك الحرمات للوصول إلى غاياتها السياسية وفرض مشروعها .
إزاء ذلك برز الى السطح ما عرف بحراك الأقيال بإحياء القومية اليمنية في مواجهة دعاوى الاصطفاء الحوثي السلالي ومحصلته مواجهة العصبية الحوثية السلالية الاستعلائية بالعصبية اليمانية القحطانية .
3- طول فترة الحرب .
إنّ طول فترة الحرب ، قد جعل فئات ينقبون عن شتى الوسائل لمواجهة المشروع الحوثي الإيراني في اليمن ، ويرى هؤلاء أن إحياء القومية اليمنية ، سوف يكون ناجعاً في مواجهة عنصرية الحوثي ، وعزلها ، وأن تجميع الطاقات المتعددة وتحشيد اليمنيين وشدهم إلى قوميتهم كفيل بهزيمة التمرد الحوثي السلالي وإسقاطه ، باعتبارها حرباً متعددة المسارات ، جذورها وجوهرها عقدية و ثقافية ، وعنصرية منذ قدوم الهادي الرسي إلى اليمن، هو وعصبته القائمة على العنصرية وتقسيم الناس الى طبقات.
هذه تقريبا هي مجمل الحيثيات التي دفعت الى السطح ، ما يسمى بحراك الأقيال.
رمزية الأوعال.
وبالتزامن مع حراك الأقيال برز معه رمزية الوعل أو الأوعال وهو رمز مألوف في النقوش الحميرية وفي الثقافات اليمنية القديمة والمتوسطة ، دون تحقيق يذكر في اختيار هذه الرمزية ، سوى مجرد استنتاجات من مصادر تاريخية غير محققة لذا تعددت تفسيرات هذه الرمزية ، فقيل إنه يرمز الى وثن قديم ، كان يعبد من دون الله ، يقال له عثتر ، وقيل هو رمز للعيش والسكن في الامأكن الوعرة والجبال الشاهقة كما هو حال كثير من أهل اليمن ، وقيل هو نوع من الصيد المفضل لدى اليمنيين القدماء، وقيل رمز للقوة والمنعة والطعان في إشارة الى قرنيه بجامع الطعان بالجنابي- الخناجر - لدى أهل اليمن فمن هنا وقعت المحاكاة ، وقيل هو شعار لمملكة حميرية قديمة ورمز لسلطانها، وقيل غير ذلك .
، والمقصود أن رمزية الأوعال قد صاحبت حراك الأقيال على نحو يصعب الجزم بواحدةٍ من التفسيرات السابقة .
تلك باختصار حكاية وسردية الأقيال .
وأمام هذه الظاهرة يبقى السؤال قائما عن الموقف الرشيد في التعامل معها وتقييمها في ضوء السياسة الشرعية والمعطيات الواقعية ويمكن أن نتوصل إلى الاتي :-
أولا: - لا يستطيع أحد أن يمنع مجتمعاً من الإشادة بحضارته ، وبماضيه وبخاصة الشعب اليمني الذي يجد في ماضيه ما يجعله يعتز به سواءً في جانبه المادي الصناعي والزراعي وبناء السدود ونحوها أو الجانب القيمي الإيماني باعتباره ذا صلة وثيقة بتاريخ الرسالات والنبوات كهودٍ - عليه السلام - وما بعده إلى قبيل البعثة النبوية ، إذ كانوا أهل كتاب كما في الصحيح في قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن :- ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ….الحديث ) إضافة إلى ما ذكر من قصة المؤمنين أصحاب الأخدود وقوم سبأ قبل إعراضهم إذ كانوا مؤمنين حتى أعرضوا فبدل الله حالهم يعني أنهم كانوا قبل ذلك مقبلين وعلى الجادة، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن تبّع وإسلامه وحكى القرآن عن ملكة سبأ ومآل أمرها ، وهو الإسلام مع سليمان لله رب العالمين .
ونظراً لامتداد خط الرسالات في اليمن ، فقد كانوا مسارعين إلى الإيمان وقبوله دون عناد كحال المجتمعات الوثنية ولهذا جاءت النصوص النبوية بالإشادة بأهل اليمن ، ورقة قلوبهم واستجابتهم وحكمتهم وفقههم كما أن تاريخ اليمن - في صدر الاسلام مشرق بالعلم والسنة وإمداد الفتوحات الإسلامية والنصرة في حروب الردة وغيرها وكذلك في الجانب الدعوي ونشر رسالة الإسلام عن طريق الهجرات والتجارات إلى آسيا وإفريقيا وغيرها.
ثانيا :- إنّ ظهور طائفة الحوثيين في اليمن والتي ترى لنفسها أحقية الملك بمفهوم عنصري ، وتحريف ديني ، وفقاً لهواها ، كما نصت على ذلك وثيقتهم الفكرية مع نزعة التسيد والإستعلاء على الناس، قد أسهمت في تغذية الحراك القومي اليمني ودفعه إلى الظهور والبروز ولعل هذا المعنى هو الأكثر دفعاً لحراك الأقيال، تماماً كما حصل، في أحقاب سابقة ، لذات الأسباب كما في مدونات الهمداني ، و نشوان الحميري وغيرهما.
ثالثاً :- تجريف الهُوية اليمنية ومحاولات الحوثيين جاهدين للتعمية وبتر اليمنيين من تاريخهم وجذورهم لتكون بوابة التاريخ اليمني من قبة الهادي ومقدمه إلى اليمن في محاولة رخيصة ومكشوفة لربط اليمنيين بعتبات السلالة وإهالة القداسة على طائفتهم وهو سلوك قديم دأب عليه أسلافهم لتهميش كل ما لم يتصل بهم يستوي في ذلك العلوم والمعارف والمناقب اليمنية أو الدول والممالك الشافعية التي حكمت في اليمن ، كالدولة الرسولية ، والطاهرية ، وبني زياد ، وبني أيوب ، وقبل ذلك فترة الخلافة الراشدة ، ومابعدها فضلاً عن تاريخ الأقيال والملوك التي حكمت قبل الإسلام ، كملوك سبأ ،وحمير ، ومعين ، وقتبان، وحضرموت، وكندة، وغيرها، كل ذلك وغيره قد أدى إلى تقليب صفحات التاريخ اليمني للوقوف على مضامينه بعيداً عن التحريف والتزوير الذي دونته سلالة الرسيين في كتبهم .
رابعاً:- صاحب حراك الأقيال مؤخراً في وسائل التواصل الإجتماعي، من معرفات متعددة ، تجاوزات شرعية ، وشذوذات ، ومفاهيم خاطئة من المرجح أن يحد من ردود الأفعال هذه ويكبح من سلوكها المتطرف أمور منها :-
1- التعجيل بهزيمة المشروع الحوثي الإيراني في اليمن ، وعودة حملته العنصريين ، إلى وضعهم الطبيعي ، مواطنين يمنيين، لهم ما لليمنيين، وعليهم ما عليهم ، وحينئذ تتضاءل العصبيات والعصبيات المقابلة ، لصالح عودة الدولة الوطنية ، التي تحمي الجميع، على قدم المساواة ، في المواطنة وإزالة الطبقيات ، التي كانت إحدى الأهداف الرئيسية لثورة 26 سبتمبر 1962 م
فالدولة الضامنة للحقوق السياسية والاجتماعية ، العادلة ، والقائمة على الخيار الشعبي، الجمهوري في اختيار من يحكمه ، هي العنصر الأساس ، لتقليل مخاطر العصبيات والنعرات وحفظ حقوق الجميع.
2 - في حال قيام الدولة وعودة مؤسساتها يتطلب الأمر سن تشريعات دستورية وقانونية تجرم إنشاء وقيام الدعوات والكيانات السياسية العنصرية للحد من العصبيات الجاهلية ، ومنع إنشاء فقاسات عنصرية ، أو دورات عنف ، تفخخ المستقبل وتعصف بالأجيال .
3- في خضم هذا الحراك الذي يبرز في بعض حالاته بمفردات نابئة ، أو تجاوزات شرعية من قبل نشطاء ، وكتاب ، ينسبون أنفسهم إلى حراك الأقيال، باعتباره فضاءً مفتوحاً لم يتبلور بعد في منظومة مسؤولة أو تيار مهيكل الأمر الذي يجعلنا نجزم أن المقصود بهذا الشطط إجهاضه لتعطيل فاعليته ، من قبل خصومه ، وحرف اليمنيين عن بوصلة العدو الكاشح عن أنيابه ، ويحتمل وجود جهات تتدثر به للوصول إلى مآربها المنافية لهُوية الشعب اليمني الإسلامية وثوابته الوطنية والأخلاقية وحينئذ فإن المطلوب للترشيد يتجلى في أمور منها
أ- تقرير مبدأ التساوي بين الناس وأن التفاضل إنما هو بالتقوى كما شهدت بذلك النصوص القطعية ورفض منطق الاستعلاء بالجنس والعنصر لما في ذلك من دعوة مقيته وجاهلية بغيضة، يتولد منها نظيراتها وضراتها .
فالناس لآدم وآدم من تراب ، وما ورد من النصوص في فضائل الشعوب أو الرموز أوالبلدان والقبائل فما صح منه إنما هو لفضائل اكتسبوها ومعانٍ تجلت فيهم من الإيمان والسابقة أو لمكارم وخصائص حميدة من محاسن العادات والشيم فمن تحصل عليها فقد اكتسبها بجهده وكسبه ومن تأخر عنها زالت عنه وانتقلت إلى غيره ممن تحلى بها كما أزيل تفضيل بني إسرائيل في زمانهم إلى غيرهم وسلبوا ذلك بما اقترفته أيديهم ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» وربما وردت نصوص واهية أو متشابهة فترد إلى قاعدة المحكم وهي قاعدة أخوة الإيمان والمساواة بين الناس وتفاضلهم بالتقوى ونبذ التفاخر والبغي والاستعلاء العنصري كما هو المنطق الإبليسي - أنا خيرٌ منه -على أن الفضائل العامة لا تعني بالضرورة التعالى والتفاخر لآحاد الناس على بعضهم فضلاً عن تأسيس الامتيازات والحقوق السياسية والاجتماعية بناء على ذلك .
فماورد في فضائل أهل الشام واليمن أو بعض الجهات والقبائل لا يعني أن يفاخر آحاد الناس على بقية الأجناس بمجرد هذه الفضائل العامة ، فالمؤمنوة إخوة وأفضلهم أتقاهم .
وهذه العملية التثقيفية يحمل عبئها مناهج التعليم والإعلام والعلماء والمصلحون ، ورجال الفكر والثقافة من مختلف مكونات الشعب اليمني، ويتأكد التبيين فيما يختص بالهاشميين اليمنيين المناوئين لطائفة الحوثيين ، والذين لم ينخرطوا في مشروعه العنصري الجاهلي ومنهم - بلا ريب - رجال صادقون وطنيون في ميادين الكفاح جنباً إلى جنب مع أبطال اليمن وآخرون علماء ، ودعاة ، ومصلحون وسياسيون ، على السنة والجادة .
لكن من المعلوم المقرر فقهاً وأصولاً أن فروض الكفايات تتفاوت في تعلقها بالمكلفين بحسب التأثير ، وإسقاط الواجبات الكفائية ، والقيام منهم بذلك في سبيل كبح جماح العنصرية السلالية قد يكون أكثر فاعلية ضد الذين يعتدون على الشعب اليمني ويسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل ، ويجلبون مشاريع الرافضة الصفويين الغزاة من دعاة العنصرية السلالية الحوثية ومن شايعهم و يتطلب المقام نصحا لله ثم للشعب اليمني التأكيد على مفاهيم منها :-
1. أنهم مع بقية إخوانهم من مكونات الشعب اليمني إخوة متساوون وأن التفاضل إنما هو بتقوى الله وأنهم يرفضون منطق استعلاء العنصرية التي دأبت عليها سلالة الإمامة في اليمن وقامت بإحيائها اليوم جماعة الحوثي.
2. رفضهم القاطع للبدعة الرسية الهادوية المتعلقة بأحقية الحكم في البطنين لما لهذه البدعة من آثار كارثية على أبناء الشعب اليمني وإدانة التاريخ الدموي الذي مارسته هذه الفئة بحق اليمنيين ، بناءً على ضلالة مفتراة - جلبها الرسي - ما أنزل الله بها من سلطان .
3. رفضهم القاطع لهذه الحرب العبثية التي تشنها مليشيا الحوثي على الشعب اليمني بدعم من ملالي طهران ولبنان وبيان أنها قد زرعت عداوات وتصدعات وجراحات في مكونات الشعب اليمني بسبب العنصرية الحوثية.
إن توعية وتثقيفاً من هذا القبيل سوف يكون له بالغ الأثر على أبناء الشعب اليمني، وسيكون مثل هذا البيان حجة على الأصوات التي تتهم الوطنيين الصادقين منهم بأنهم صامتون ، أو راضون ما تقوم به جماعة الحوثي العدوانية ، وقد ورد في الحديث ما يفيد درء ما يجلب الظنون السيئة كما في قوله صلى الله عليه وسلم «إنها صفية»
وأما الجهة الأخرى وهم الأقيال فإن إشارات شرعية وسياسية لا بد أن تقال حيال منطلقاتهم ومنها:
أولا:- ضرورة التفريق بين ما هو محمود في تاريخ اليمن - وهو كثير- لإبرازه والتذكير والإشادة به ، و ما هو مذموم وقد أشرنا إلى بعضه، والمذموم يتطلب الأمر شرعاً وعرفاً وعقلاً رفضه وعلى أولويات المعاني المذمومة رفض منطق العنصرية والعصبية الجاهلية ، فالعنصرية الحوثية لا تجابه بعنصرية مثلها ومنطق الاستعلاء أو التحقير والغمز هو منطق جاهلي سواء صدر من هاشمي عدناني أو حميري قحطاني.
ثانيا:- بما أنه لم يتبلور بعد تيار الأقيال إلى حراك مسؤول أو حركة وطنية منظمة لها هياكلها وأهدافها ، وبرامجها فإن تحميل الأقوال الشاذة لعموم الأقيال لا يخلو من إجحاف وتوزير لغير أهله، لكن هناك رموزٌ قيلية قد اشتهرت وعرفت بهذا الحراك ومنافحتها عنه من نخب ثقافية وسياسية وإعلامية وسواها ، يتعين عليها تحديد مسار هذا الحراك من حيث علاقته بهُوية الشعب اليمني الإسلامية، وبالثوابت الوطنية والأخلاقية، وبيان تناسق التاريخ اليمني المشرق مع رسالة الاسلام وأن يرفضوا تلك الأصوات النشاز التي تعمل على خلق تعارض بين الهُويات الوطنية، والعروبية، والاسلامية، وتظهر بين الفينة والأخرى متطاولة على الثوابت الإسلامية أو رجال التاريخ الإسلامي أو تعمل على ترميز من عرف بعداوته ومشاقته لله ولرسوله كأمثال عبهلة الأسود العنسي وعبدالرحمن بن ملجم ونحوهم .
كما أن من واجبهم أن يحددوا الأهداف والمنطلقات في حال ما إذا تطور هذا الحراك ليكون رافداً وطنياً في مواجهة العنصرية الحوثية.
ويضاف إلى ذلك أن أهل اليمن ليسوا محصورين في ثنائية الحوثية السلالية ومن سار في فلكها أو جهة الأقيال القحطانية ، فهناك أجناس أخرى وفدت إلى اليمن وانصهرت فيه كالأحباش والترك والصومال والهنود وغيرهم فمثل هؤلاء الذين قد أصبحوا جزءاً من التركيبة اليمنية ونسيجها الاجتماعي يجب أن تظل حقوقهم في المواطنة مكفولة كاملة غير منقوصة مادياً ومعنوياً.
ثالثا :- يجب أن يكون واضحاً أن ثقافة الحوثيين لاتقترب من جوهر الإسلام وحقيقته الناصعة ، ولا تعاليمه الرشيدة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وأن سلوكها العقدي والسياسي مناف ٍ لما عليه أهل الإسلام سلفاً وخلفاً في القول والعمل ، ولاحظ لها في دعاوى النسب النبوي ، لتحتكر فهم القرآن ، وتفسير الإسلام ، وفقاً لأهوائها، بل المعلوم قطعاً أن طائفة الحوثيين ذات صبغة شيعية جارودية غالية ، متطرفة ، قد تأثر كثير منهم بالمذهب الجعفري الإثني عشري ، وأصبحوا ضمن الأدوات الوظيفية ، الرخيصة، والأذرع الايرانية في المنطقة .
وقد تجاوز الحوثيون في عدوانهم ، على مخالفيهم سياسياً و فكرياً وعقدياً من عامة أهل اليمن ، إلى محاربة من كانوا معهم ثم خالفوهم سياسياً أو فكرياً كما حصل لرموز زيدية عديدة من الإقصاء والتصفيات الجسدية .
وعلى هذا فإن دين الإسلام برئ من أعمال هذه الفئة المارقة ، وتفسيرها العنصري للإسلام مرفوض لدى الأغلبية سواءً في اليمن أو في بقية العالم الإسلامي، ولذا فإن وسمها بالبدعة والضلالة والمروق والتمرد هو الوصف الطبيعي لمخالفتها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين واستباحت الدماء والأموال والأعراض .
وما يحصل من تضليل وخلط يقوم به بعض الكتاب والنشطاء لربط أعمال الحوثة الإجرامية الإرهابية بالإسلام هو خلط ماكر له خلفية عدائية مع مفاهيم الاسلام الصحيحة في محاولة بائسة لاستغلال الأحداث لصالح جهات مشبوهة وممولة تعادي حقيقة الإسلام جملة وتفصيلاً وتحاول الولوج من خلال جرائم الحوثيين لتمرير مآربهم وأهدافهم المشبوهة.
رابعاً :- وختاماً يتساءل كثير من المتابعين عن مستقبل الحراك وهل سيكون رافداً وطنياً مع مكونات الشعب اليمني السياسية والإجتماعية ، في مواجهة الانقلاب والتمرد الحوثي أم أنه مجرد ظاهرة اعلامية وفقاعة موسمية سرعان ما تنقرض بنحو السرعة التي ظهر فيها ؟
والأمر فيه- كما يبدو - فيه تفصيل وتبصير ، وترشيد ، فإذا تحول هذا الحراك الى مجرد عصبية إضافية ونعرة جاهلية لمواجهة العصبيات والنعرات السلالية فبالتأكيد لن يكتب له النجاح شأنه في ذلك شأن الحركات العنصرية التي تبدأ جذابة ببريقها لأول وهلة ثم سرعان ما يملها الناس لمنافاتها لمنطق التحضر والعقل والفطرة السوية ويلفظونها وتصبح أثراً بعد عين وأحاديث للذكرى ، ويزداد الأمر قتامة إذا ما صاحب هذ الحراك شطط في المفاهيم وتجاوز للحدود الشرعية والهُوية الاسلامية المتجذرة في وجدان الشعب اليمني الأصيل فإنه والحالة هذه سيكون قد حفر قبره بيده وقضى على مشروعه في مهده وعاد وبال أمره عليه .
وأما إذا هدي حراك الأقيال إلى الرشد وشكل تكوينه السياسي والفكري على مرتكزات ثلاثة فلاشك أنه سيكون إضافة جديدة في محطة الصراع اليمني الحوثي وهذه المرتكزات الثلاثة يمكن الإشارة إليها باختصار في الآتي :-
الأول :- البعد الوطني اليمني في مواجه مشروع الطائفة العنصرية الوافدة .
الثاني :- البعد العروبي القومي في مواجهة مشروع الأطماع الفارسية في المنطقة .
الثاني :- البعد الإسلامي الأصيل المستمد من الكتاب والسنة في مواجهة مشروع الضلالة والدجل والتحريف ويتصل بهذا المعنى ما له ارتباط بتاريخ اليمن الاسلامي الناصع وما قبله من امتداد النبوات ومحاسن العادات والحضارات .
هذه الدوائر الثلاث، الوطنية، والعروبية ، والاسلامية ، كلها تتكامل ولا تتعارض ، تتضافر ولا تتنافر، فإن ارتباط الإنسان بعشيرته ، وقومه، وموطنه، أمر فطري جبلي والشريعة الإسلامية لا تنافي الفطرة الانسانية ولا تعطلها بل تقرها وتهذبها وتزيل عنها شوائب الانحراف .
وغني عن البيان أن رابطة الأخوة الإيمانية هي الأصل وعليها معقد الولاء والبراء والحب والبغض والنصرة لقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) والأصل أن تتناسق الأبعاد السالفة وفي حال ما إذا بدت متعارضة فيعود إلى قصورفي الفهم والبصيرة أو اضطراب واختلال في معرفة الأولوي منها، وتقديمه عند التعارض فإن حب الانسان لعشيرته ، وزوجه وماله ، ووطنه، وقومه أمر فطري، ومحمود، مالم يتعارض مع حب الله ورسوله فحينئذ يقدم الأهم على المهم ولا أهم وأولى من حب الله ورسوله وتقديم مرضاته على كل شي لقيام سعادة العبد وفلاحه ونجاحه في الدنيا والآخرة على ساق العبودية لله سبحانه وتعالى وتقديم حقه على سائر الحقوق قال تعالى :- { قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ}
{ لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)} [المجادلة]
والله الهادي إلى سواء السبيل اللهم اهدنا في من هديت.