أكد البعض بأن الغرب لأجل أن يشكك المسلمين في دينهم، فإنه سينبش الوثنيات القديمة ويرغب الناس فيها، وهذا الكلام فيه قدر كبير من الصحة؛ يقول المستشرق كويلر يُنج في كتابه الشرق الأدنى: ( إنّنا في كلّ بلد إسلامي دخلناه، نبشنا الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال في أن يرتدّ مسلمٌ إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكنْ يكفينا تذبذبُ ولائه بين الإسلام وتلك الحضارات).
لكن هؤلاء الذين نبشوا هذه الكلمة تناسوا أن الوثنيات المعاصرة والعتيقة ذات الألف سنة لم تعد تحتاج إلى نبش تراث الدول والممالك القديمة لتحرف الناس عن دينهم، فقد قامت وثنيات دينية وسياسية واجتماعية وبيافطات إسلامية خادعة، فصنعوا للأمة قبورا وقبابا تدعى من دون الله، وزخرفوها وعظموها لتعظم في عيون الناس، وصنعوا لهم وسائط وثنية بينهم وبين الله يستمدون منهم القبول والمدد، واضطربت أليات نساء اليمن على قبور السادة يطلبن الولد والنفع والضر، وقدمن الذبائح والألبان والذهب والنذور، ثم قسموا المجتمع تقسيما وفق وثنية اجتماعية طبقية جاهلية؛ إلى طبقة عزيزة أولى: (السادة) ثم الثانية: (المشايخ) ثم الثالثة: القبائل (طبعا عقار الأرض) ثم الرابعة: الحرفيون، ولهم الأولوية بحكم الجين الوراثي، وعلى ضوء ذلك كان التعامل والأولويات وكفاءات الزواج، وصنعوا لهم فقها جديدا دخيلا على الإسلام متمثل بأفضلية الجنس وطهارة العنصر، ثم الأحقية بالإمامة السياسية في البطنين، ووراثة الإمامة الدينية في آل البيت ثم عقيدة القطب والغوث، وقلبوا الأمة رأسا على عقب، وصنعوا لهم سلاحا يضربون به كل من ناصحهم أو اعترض عليهم اسمه (سلاح النصب) بأن فلان من النواصب، أي يناصبنا العداوة، وليس إلا النصب الذي يأكلون به أموال الناس بالباطل مستخدمين حالة الجهل الدينية التي أسسوها واستخدموا لها كل ما استطاعوا من أغراض دنيئة يستحي المرء من ذكرها حتى لهج الشارع اليمني بهذا المثل : القبقبة للولي والفائدة للقيوم.
ثم توجهوا إلى مزيد من الخرافة فكتبوا الكتب والمنظومات في كرامات كاذبة أشبه بالمعجزات بل جعلوها فوق المعجزات؛ ذكر مؤرخهم صاحب كتاب المشرع الروي ج٢ أن الشيخ عبد الله باعباد سأل علوي بن الفقيه محمد المقدم التريمي عما ظهر له من المكاشفات بعد موت والده فقال : ظهر لي ثلاث : أحيي وأميت بإذن الله ، وأقول للشيء كن فيكون ، وأعرف ما سيكون « فقال عبد الله باعباد : نرجو فيك أكثر من هذا . وقال غيره : أنا عرشها والكرسي أنا للسماء بانيها. وكم سنعدد من الدجل والخرافة في زمن غلبت فيه المادة وطغى فيه الإلحاد، وجاهر هؤلاء بخرافاتهم بلا حياء، حتى قال قائلهم أمام الكاميرات أن السماء امطرت لبنا في #عدن حال دخلها الإمام العيدروس، ولك أن تكتب هذه الكلمة في يوتيوب لتسمع قائلها وقصتها، ولتعلم كذلك أن الله حليم على خلقه حال يسمع مثل هذا ولكنه حليم جل جلاله ﴿سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَقولونَ عُلُوًّا كَبيرًا تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلكِن لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُم إِنَّهُ كانَ حَليمًا غَفورًا﴾.