الشرعية اليوم على المحك، ولم يعد مقبولًا البقاء في حالة اللافعل أمام ما يعانيه الشعب اليمني من عذابات يومية. ملايين النازحين يعيشون في مخيمات تعصف بها قسوة الشتاء وحر الصيف، بينما يهدد شبح الجوع حياة الملايين في الداخل، حيث بات الموت جوعًا واقعًا يخشاه الجميع.
هؤلاء النازحون الذين غادروا منازلهم في مناطق سيطرة الحوثيين اتخذوا قرارًا شجاعًا برفض تحويل انقلاب المليشيات إلى أمر واقع. النزوح لم يكن مجرد هروب من الخطر، بل موقف وطني رافض للانقلاب. واليوم، بعد قرابة عشر سنوات من المعاناة، يجد هؤلاء أنفسهم أمام خطر جديد: تسوية سياسية قد تُشرعن مليشيات الحوثي وتجعل تضحياتهم بلا جدوى.
إذا كانت النتيجة المتوقعة هي فرض مثل هذا المنطق الانهزامي، فإن البقاء في منازلهم والتسليم بالأمر الواقع كان ليبدو خيارًا أفضل من مواجهة هذا المصير الذي يُفرض عليهم اليوم.
لهذا نقولها بصوت واضح وصريح:
أي خيارات للسلام لا تشمل نزع سلاح مليشيات الحوثي، واستعادة مؤسسات الدولة، وضمان عودة ممتلكات ملايين النازحين المنهوبة، هي خيارات مرفوضة ولا يمكن القبول بها.
على القيادة الشرعية بكل مكوناتها أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وألا تتناسى تضحيات الشعب اليمني التي تجاوزت نصف مليون قتيل، بالإضافة إلى معاناة الملايين من النازحين والمشردين.
إن الوضع الراهن، بكل تحدياته، يمثل خطرًا وجوديًا يهدد الشعب اليمني ومشروعه الوطني. لذا، يتطلب الأمر من قيادة الشرعية أن تتحلى بالوضوح والمصداقية، وأن تصارح الشعب بحقيقة الضغوط التي تواجهها. وإذا كانت تلك الضغوط تُعيقها عن القيام بمسؤولياتها، فعليها التحلي بالشجاعة الوطنية والانسحاب من إدارة المشهد، مع تحميل الشقيقة السعودية المسؤولية الكاملة عن اليمن، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
إن إصرار السعودية على إدارة كل تفاصيل المشهد اليمني وتقرير مصير الشعب يجعلها شريكًا كاملًا في النتائج. وفي هذه الحالة، ينبغي على الشرعية ألا تبقى مجرد واجهة شكلية، بل عليها أن ترفض الاستمرار في هذه الحالة وتطالب بالشراكة الحقيقية التي تضمن مصالح البلدين المشتركة.
إن أهم ركائز هذه الشراكة تتمثل في تحرير اليمن والمنطقة من الهيمنة الإيرانية، وهو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إعادة تمكين الشرعية وإعطائها الدور الكامل في إدارة ملفات الشعب، أو اتخاذ موقف حاسم يُفضي إلى تغييرات جوهرية تُعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.