كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن ضرورة تغيير الرئيس هادي، ومع أن الأمر تم طرقه منذ سنوات وكتبنا وكتب كثيرون، إلا أن الأمر أصبح يأخذ منحى خطيرا ومستفزا، فقد وصلت الوقاحة السياسية بمن يخططون للأمر أن يبحثوا عن أشخاص بديلا عن هادي دون الرجوع إلى الشعب اليمني، وكأن الشعب مجرد قطيع ليس لديه إرادة ولا رأي في اختيار حكامه، وهذا يؤكد أن من يبحثون عن بديل لهادي يريدون استمرار الحرب وإلا لذهبوا نحو انتخابات تجبر الجميع على ترك السلاح والاحتكام للإرادة الشعبية .
لا شك أن كثيرا من الملاحظات والانتقادات يمكن توجيهها لسياسة الرئيس هادي، ومن حق الجميع ممارسة النقد والمطالبة باستنهاض المشروع الوطني وتغيير الوجوه والسياسات، إضافة إلى أن وضع السلطة وصل إلى حالة من الاستعصاء والشلل، إضافة إلى أن موقع الرئاسة يحمل الرئيس القدر الأكبر من المسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن الأوضاع، إلا أنه ليس من حق أحد أن يسقط الشرعية الدستورية ويسقط حق الشعب اليمني في ممارسة حقه الدستوري .
كأن التاريخ يعيد نفسه، فما يجري اليوم يذكرنا بأواخر عهد الراحل علي عبدالله صالح عندما ارتفعت أصوات خارجية وداخلية تطالب بإصلاح النظام وتندد بعجزه وفساده، وذهب صالح ولم يتغير النظام السياسي إلا نحو الأسوأ، لكن صالح كان مدركا لما يراد لليمن فأصر على تسليم السلطة بشكل شرعي، فجاء هادي وفق الشرعية التوافقية، فهل يفعل هادي ما فعله صالح؟
إن طبخة البحث عن رئيس بالطريقة التي يروج لها، الهدف منها تصفية الشرعية الدستورية وإخراج الشعب اليمني من المشاركة في اختيار من يحكمه، فالتركيز على من يخلف هادي دون الاهتمام بالنظام السياسي وبالأسباب الموضوعية لتعثره وفشله، يظهر كما لو أن المشكلة متعلقة بالرئيس وليس في تحالف دعم الشرعية ودول الرباعية وسياساتها تجاه اليمن وكذلك البرلمان والحكومة اللذان عطلا مهامهما الرقابية والتنفيذية .
الأطراف التي ذكرت آنفا، هي التي تتحدث عن خلافة الرئيس وضرورة تغييره، ليس حرصا على مصلحة اليمن، بل مدفوعة بمصالحها، صحيح هناك مشكلة في مؤسسة الرئاسة، لكن مجرد تغيير الرئيس بمعزل عن القضايا الأخرى لن يحل مشكلة اليمن، كما أن التغيير بهذه الطريقة لن تزيد الأمور إلا سوءا، لأن المشكلة في المنظومة السياسية كلها وفي انقلاب الحوثي، فالسلطة، ليست الرئيس فقط، بل النائب والمستشارين ومجلس النواب والشورى والحكومة .
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا صمتوا على تجاوزات وأخطاء شخص حتى وإن كان الرئيس، وهل لهذا الصمت من تفسير إلا أنهم كانوا يريدون ذلك، بل ومتواطئون معه على هذه التجاوزات والأخطاء؟
إن تغيير الرئيس بهذه الطريقة معناه إعادة إنتاج الفشل ومزيد من تمزيق الشرعية وتوسيع دائرة الصراع الداخلي، كما أن حصر المرشحين بأسماء معينة يعني أن الخلل كان في شخص الرئيس وليس في النظام السياسي الذي يشكل هؤلاء المرشحون لخلافته أهم أركانه .
أخيرا إذا كانت هذه الأطراف الإقليمية والدولية تريد مصلحة اليمن حقيقة وتريد للحرب أن تضع أوزارها ، فلماذا لا تتبنى الدعوة لانتخابات تحت رقابة دولية ، وإذا كنا نحن نرفض أن تتدخل أطرافا خارجية في شؤوننا الداخلية ، إلا أن الأمر يستدعي من الرئيس سرعة التحرك لحل استعصاء النظام السياسي وتفكيك إشكالات الشرعية من خلال دعوته الشعب اليمني لانتخاب من يمثله ونقل السلطة بطريقة دستورية ، أجزم أن هادي يدرك بأن قرار إزاحته قد تم وأنه لم يعد أمامه من ورقة يلعبها سوى ورقة الانتخابات التي ستتكفل بإنهاء الحرب وستلزم المجتمع الدولي بأن يقف إلى جانب الإرادة الشعبية .