فشلت القوى السياسية والاجتماعية اليمنية في وضع تصور لمستقبل الحكم في اليمن، فهل تنجح في الدعوة لميثاق شرف بين أطراف الحرب لفتح الطرق وحماية المسافرين وإزالة بعض نقاط التفتيش التي تحولت إلى ثقب أسود يبتلع مئات المسافرين المتنقلين بين جنوب البلاد وشمالها وبين شرقها وغربها، فغلق الطرق يعد مساسا بأحد أهم الحقوق الإنسانية وتندرج في خانة تقويض الحريات .
لم يكتف المتحاربون بقتل ما يزيد عن 330 ألف قتيل وإصابة عشرات الآلاف من الجرحى الذين تضاعف إغلاق الطرق من معاناتهم، بل ذهبوا إلى ما هو أشد من ذلك وهو إجبار المواطنين على سلوك طرق وعرة ومحفوفة بالمخاطر تحصد أرواح الكثيرين يوميا، إما بسبب الحوادث أو بسبب الحالة الصحية .
يعلم الجميع أن هذه الحرب جاءت نتيجة وعنوانا لفشل الأحزاب والقوى السياسية في وضع تصور شامل لمستقبل الحكم، وبموجب ذلك وجدت المملكة العربية السعودية الفرصة لقيادة تحالف عسكري تحت عنوان دعم الشرعية واستعادة الدولة، لكنها بعد سبع سنوات لم تستعد الدولة، بل دمرت مؤسسات الدولة ومنعت الرئيس من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن التي فخختها بالمليشيات المسلحة ودعمت انقلابها إلى جانب الإمارات .
بالمقابل، الأمم المتحدة أرسلت أربعة مبعوثين خاصين للمساعدة في التوصل إلى حل ، لكنها لم تفعل شيئا ، وبالمثل فعل الرئيس الأمريكي بايدن الذي وضع الحرب في اليمن ضمن برنامجه الانتخابي وأرسل مبعوثا خاصا وحتى اللحظة لم يفعل شيئا ، بل إن جرائم الحرب التي ترتكب في حق اليمنيين لم يتحدث عنها أحد ، وتكاد تكون معاناة اليمنيين في التنقل داخل مدنهم وبين المدن بعضها البعض من الأمور المنسية .
وطالما أن الخارج لم يفعل شيئا لمعاناة اليمنيين، فعلى الأحزاب والقوى السياسية اليمنية أن تضع حدا لهذا الصراع العبثي الذي مارسته ومازالت تمارسه والذي أوصل البلاد إلى هذا الوضع المأساوي والكارثي الذي لم يعد العقل السوي قادرا على استيعاب بشاعته المليئة بالموت والهلاك .
أين الأحزاب القومية المعززة بروح الوحدة العربية، وأين الأحزاب اليسارية المعززة بروح الأممية، وأين الأحزاب الإسلامية المعززة بروح الإسلام الحنيف من معاناة الناس في تنقلاتهم داخل وطنهم، فإذا كان قرار وقف الحرب ليس بأيديكم، فعلى الأقل بأيديكم، فتح طريق البيضاء وتعز الحوبان ثم عدن وطريق الضالع وغيرها من الطرق التي تمكن اليمنيين من التنقل بحرية؟
يعد صمت الأحزاب والقوى السياسية شيئا مخيفا ومؤلما ويستحيل تصديقه من قبل أي مؤمن بالوطنية والقومية والأممية ومبادئ الإسلام الحنيف، فهل حان الوقت لأن تتداعى النخب السياسية والاجتماعية إلى وثيقة شرف تحفظ للمدنيين على الأقل حياتهم وكرامتهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وهل حان الوقت للأحزاب السياسية أن تتجاوز ركام الماضي من الأخطاء السياسية التي أوصلت البلاد إلى الحالة التي هي عليها الآن والمتخمة بالخوف والموت؟