ينبغي أن ننطلق من تعريف العنوان للوصول إلى وصف ما يجري في اليمن، فالحرب المأجورة هي التي تقوم على تدخل جهة ما بهدف إخماد حرب قائمة ، لكن هذه الجهة تعمل على إشعال مزيد من الحروب ، أما المرتزق ، فهو ذلك الشخص الذي يجري تجنيده خصيصا ، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي ليقاتل في نزاع مسلح أو يشارك فعليا ومباشرة في الأعمال العدائية .
يعد الارتزاق ثاني أقدم مهنة في التاريخ ، واليوم توجد شركات عملاقة في الغرب تدير المرتزقة وبأجور باهظة ، هؤلاء المرتزقة لا يعملون ضد بلدانهم وإنما يعملون خارجها ، على عكس المرتزقة في أفريقيا أو أفغانستان والعراق واليمن ، حيث يعمل المرتزقة في هذه البلدان ضد بلدانهم ولعل المرتزق اليمني من أرخص المرتزقة في العالم ، لأن مرتزقة العالم تسعى الشركات والدول لتجنيدهم ، بينما المرتزق اليمني يعرض نفسه على الدول للعمل معها ضد بلده .
مرتزقة العالم يسمون أنفسهم مرتزقة ويبرمون العقود على هذا الأساس ، بينما المرتزق اليمني يدعي الوطنية وهو يعمل لحساب دولة أخرى ، يتقاضى مرتباته من هذه الدولة أو تلك ، فهو أمام نفسه وطني والآخرين الذين يسلكون نفس سلوكه مرتزقة ، فمن يعمل لصالح إيران يعتبر الذين يعملون مع الإمارات أو السعودية مرتزقة ، والذين يعملون مع الإمارات والسعودية يعتبرون أنفسهم وطنيون والآخرين مرتزقة ، وهكذا يمكن القياس على من يعمل مع أي دولة وينتصر لها على حساب اليمن .
كانت اليمن أمام مرتزقة يعملون لصالح إيران ويعملون على تجريف الهوية الوطنية واستبدالها بالهوية الفارسية ، فجاءت السعودية والإمارات لمواجهة هذه المليشيات ، فبنت مليشيات جديدة خارج المؤسسة العسكرية والأمنية وفتحت سوقا حرة للقوة العسكرية وأمام الانقلابات وجعلت وسائل الحرب متوفرة لكل من يمتهن الارتزاق ، وأصبحنا أمام حرب مأجورة .
وقد وصف مكيافلي المرتزقة في كتابه الأمير بالقول ، إنهم شرذمة طاعون غير منضبطين ولا ولاء لهم ، فهم شجعان فيما بينهم أخساء أمام أعدائهم لا يخشون الله ولا عهد لهم مع الناس ، وهذا الوصف يتجلى أمامنا في أولئك الذين ينضوون في مليشيات خارج نظام الدولة ، بل ويجاهرون بولائهم لدول أخرى .
وبسبب من ذلك ، تشهد اليمن أمراء حرب وصراع بلا انقطاع ، في مشهد مأساوي ، تتجرع الدولة ويلات سوق حرة للحرب ، تعج بالعملاء عديمي الضمير ومليشيات تفتقر إلى الانضباط الوطني ، مما أفضى إلى شلل السلطات وإرساء حالة من الفوضى العارمة أرجعت اليمن إلى العصور المظلمة ، لتجعل من اليمن واحدة من أخطر الأماكن على وجه الأرض ، وانحرفت الدلالات عن معانيها ، حيث أصبح المرتزق بفعل الوحشية التي يمارسها وطنيا والوطني بفعل جبنه مرتزقا ، ولن يصل اليمنيون إلى سلام ، طالما وهذه الدول تؤجر جزءا منهم ضد الجزء الآخر .