أشارت التقارير السياسية منذ فترة مبكرة إلى أن ملف الحرب في اليمن سيكون هو الثمن الذي يقدمه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مقابل ملف خاشقجي ، فقد كان على بن سلمان أن يتحمل مسؤولية مقتل خاشقجي وبالتالي تنتزع الولاية منه ، أو أنه يقدم ملف الحرب في اليمن قربانا للأمريكان ، فاختار الأخيرة ، لهذا السبب مارس لعبة الخداع على الرئيس هادي وعلى المتشاورين في الرياض وأخرج لعبته بطريقة غبية ستجعله لا يفقد فقط ولايته للعهد في المستقبل ، بل المملكة بكلها .
صحيح أن محمد بن سلمان حقق أرخص انقلاب في تاريخ الانقلابات ، وصحيح أيضا أنه نجح في تحقيق هذا الانقلاب ، لكنه لم يدرك أنه قدم نصرا مجانيا للحوثيين ومن ورائهم إيران ، فقد استعجل بتجريد الرئيس من شرعيته وشكل مجلسا رئاسيا ، ليس مأزقه الوحيد أنه متناقض المصالح والتوجهات ، بل كونه أيضا مجلس فاقد للشرعية ، إذ لا توجد جهة يمكنه أن يؤدي اليمين الدستورية أمامها ، فالرئيس الذي انتزع القرار منه لم يعد رئيسا ، ومجلس النواب لا يستطيع أن يؤدي اليمين أمامه لأنه غير منتخب من الشعب وإنما جاء بقرار .
بالإضافة إلى ما سبق، فإن المهمة الرئيسية لهذا المجلس هي إدارة الحوار مع الحوثيين وليس إدارة الحرب ، وفي حالة رفض الحوثي للحوار ، فإن المجلس سينفض إلى أتباع الإمارات وأتباع السعودية ، خاصة وأن هناك من يطلق على نفسه رئيسا للجنوب وممثلا للقضية الجنوبية ، إضافة إلى دفع الإمارات لمليشياتها لمواجهة من تسميهم بالإخوان ، وهذا بحد ذاته سيخدم الحوثيين ، وسيخلق انقساما جديدا .
ومن كل ما سبق ، ستجد أصحاب المرتبات الممنوحة من هنا أو هناك من يقول لك ، إن مجلس الرئاسة هو الخطوة الأولى الصحيحة لتوحيد الصف اليمني ولاستعادة الدولة وإذا تحدثت عن الشرعية وعن الدستور ، سيسارعون بالقول ، من متى كنا نعمل بالدستور ؟
خلاصة القول ، إن محمد بن سلمان لا يتمنى شيئا أكثر من انتهاء ورطته في اليمن ، فقد أصبح مجرد ذكر اليمن يشكل له صداعا مزمنا ، وهذا ما دفعه إلى رمي ملف اليمن لأخيه خالد بن سلمان ، الذي بدوره سلمه إلى سفيرهم في اليمن محمد آل جابر الذي جاء بالنطيحة والمتردية وما آكل السبع وسفهان القوم إلى الرياض وأتاح لمحمد بن سلمان التخلص من الشرعية ، لكي يتخلص من التزام بلاده تجاه اليمن ، فوزعوا دمها بين المليشيات والمجالس المتعددة ، التي نشأت بفعل القوة ، وسيبقى مجلس محمد بن سلمان هو الخاسر الأكبر بين هذه المجالس لأنه مجرد من القوة أولا ، ولا توجد جهة يؤدي اليمين الدستورية أمامها ثانيا .
وقد التقط الحوثي هذا العجز والارتباك السعودي والإطاحة برأس الشرعية دون نقلها بطريقة دستورية ، فبدأ يحشد إلى جبهة مأرب حشدا لم يسبق إليه حشد من قبل ، سواء من القوة البشرية أو من المعدات العسكرية ، لكن مأرب ستلقف ما يأفكون وسينالون ما نالوه خلال السنوات الماضية من الخزي والعار ، وسيلقف الشعب اليمني ما يأفك محمد بن سلمان ولن يترك شرعيته تبتلعها الفوضى التي يراد لليمن أن تحكمها .