ذهب المفكر العربي محمد الرميحي إلى أن أزمة اليمن تكمن في نخبها السياسية التي استوردت الأيديولوجيات من خارج الحدود اليمنية وأنبتتها خارج السياق الشعبي وباعت لليمنيين الأوهام والشعارات الفارغة ، كالقومية والأممية والإسلامية والتي اختتمها الحوثي برفع شعار " الموت لأمريكا "، ولم يمت سوى اليمنيين ، إما بالرصاص أو بالجوع أو المرض .
تتبع الرميحي دورة الصراع المتعاقبة داخل السلطة وعليها ، تحت شعارات مجافية للواقع ، فقد أنهى الرئيس الحمدي حياته مقتولا وتبعه بأشهر قتل الغشمي وسالم ربيع ، وسجن حتى الموت قحطان الشعبي ، أول رئيس لليمن الجنوبي ، وانتهت حياة عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر قتلا ، وقبلهما نفي السلال والإرياني ، وبعدهما علي ناصر وعلي سالم البيض ، ولم يكن علي عبدالله صالح أول رئيس للوحدة ببعيد عن كل ذلك فقد انتهت حياته مقتولا برصاص حلفائه الحوثيين .
دعا الرميحي إلى الاحتفاء بخروج الرئيس هادي من السلطة حيا واعتبر ذلك حالة استثنائية في حياة اليمنيين ، لكن ربما غاب عن الرميحي أن هادي جمع في نفسه ما توزع بين من سبقوه ، فقد واجه النفي والانقلاب معا ، وربما الفرادة التي حصل عليها هادي أنه ظل رئيسا من خارج الحدود على عكس من سبقوه .
يأسف الرميحي على اليمن الذي يزخر بالموارد الاقتصادية الكثيرة ، لكن ما ينقصه هو التوافق على حكم مستقر وإدارة حديثة ، بعيدا عن الحكم بطريقة الإخضاع بالقوة ، لهذا لا يستغرب أن تستمر الحرب الأهلية كل هذه السنين ، فالنخب اليمنية تحمل شعارات مختلفة مجافية للواقع وتستعين بدول من وراء الحدود لها مصالح غير مشروعة .
فاليمن تتمتع بموقع استراتيجي ولديها سواحل غنية وموارد معدنية ومياه وأراض صالحة للزراعة وتملك تاريخا ثريا وحضارة كبيرة ولها جزرا يمكن أن تكون مكانا رحبا للسياحة ، لكنها جميعها مضيعة ومهدورة .
يخلص الرميحي إلى القول ، إن اليمن لم توفق بإدارة حديثة ، بسبب تنافس النخب المرضي على الولاء للخارج والاستخفاف بمصالح الشعب وهو يستبشر بأن المجلس الرئاسي قد جمع المتناقضين السياسيين وجمع فيما بينهم ، لكنه يخشى أن تظل الولاءات للخارج هي المسيطرة ، فتعيد دورة العنف من جديد وتخسر اليمن واليمنيون الاستقرار والسلام المؤمل فيهما .
جميع من في المجلس يزعمون أنهم مهتمون بمعاناة الشعب ، لكن ذلك الاهتمام إذا لم يتجاوز الشعارات إلى ملامسة حياة المواطن المكتوبة بآلام الفقر والمرض وصواعق الموت ، فإن الأمنيات ستتحول إلى فجيعة ربما تجعل ما سبقها من دورات العنف أهون منها وأرحم ، قد نكون متشائمين ، لكن ما نرجوه أن يكون غير ذلك ، وهذا لن يتم إلا بوعي وتكاتف القوى المشكلة لهذا المجلس وتقديم مصلحة اليمن على الشعارات الكاذبة والمضللة والقطيعة مع الارتباطات الخارجية .