مازلت أتذكر تلك الحملة التي قادتها السعودية على جورج قرداحي بسبب وصفه للحرب في اليمن بأنها عبثية وقطعت الدعم عن لبنان وسحبت سفيرها من هناك وتبعتها بعض الدول الخليجية وطردت العمالة اللبنانية وتبعها في تلك الحملة خرفان من داخل الشرعية اليمنية طالبوا بمحاكمة قرداحي ، واليوم تطالبنا السعودية بالسلام مع الحوثي بعد أن استكملت تدمير اليمن وقتلت مئات الآلاف من أبنائه ، في ظل سكوت مخيف من قبل خرفانها دون اعتبار للدماء التي أريقت والدمار الذي أحدثته هذه الدولة في اليمن تحت ذريعة إعادة الشرعية واليوم تسلم هذا الشرعية للانقلابيين في الشمال والجنوب .
حسنا سوف نذهب إلى السلام مع الحوثي وليس لدينا مشكلة مع السلام لأننا لم نخض الحرب بل خاضها الحوثي والسعودية ونحن دفعنا فاتورتها من دمائنا واقتصادنا وأمننا ، مشكلتنا مع الحوثي تتمثل بالعلاقة بالدولة ومؤسساتها عبر القانون والحوثي يريدها عبر وسيط هو ولي الفقيه الذي يحمل وصية من الله بحكمنا إلى يوم الدين ، ومشكلتنا مع السعودية أنها تعيش مركب نقص تجاه اليمن وهي لا تشعر بوجودها إلا بغياب اليمن ، وتلك وصية الجد للأبناء والأحفاد .
خاضت السعودية الحرب في اليمن تحت شعارات مختلفة سمحت للحوثيين برفع شعار مواجهة العدوان ومارست خطابا مستفزا وقصير النظر ، لا يملك أي تحديد أو تعريف أو أي شرط من شروط تحققه فسهل على الحوثي إعطاء معركته وسلاحه بعدا وطنيا وزعم أنه يواجه الهيمنة والاستكبار الأمريكي والسعودي في مسرحية مكشوفة بين الأمريكان والإيرانيين بأدوات سعودية حوثية .
والسؤال للمجلس الرئاسي الذي على ما يبدو لا يختلف كثيرا عن مرحلة هادي في التبعية للقرار الخارجي، هل يكفي أن ينخرط الحوثي في تقاسم السلطة دون الاتفاق على شكل الدولة وهل تحتاج هذه الدولة إلى رئيس أو إمام ؟ ولماذا لا يتخفف المجلس من الضغوط الأمريكية والسعودية بالمطالبة بفتح جميع الطرق في اليمن مقابل التسليم للحوثي بالاعتراف بالجوازات ؟
لماذا دائما الشرعية مجرد أداة تعطي دون أن تأخذ ولو شيئا يسيرا لهذا الشعب الذي وضعته الجغرافيا جوار شقيق جاهل وحوثي عدو ؟
لماذا لا يخبر المجلس الرئاسي أمريكا وبريطانيا بأننا في اليمن لسنا مختلفين مع الحوثي سياسيا و أن مشكلتنا ليست على السلطة ، بل مشكلتنا حول طبيعة السلطة ، فنحن مع الإرادة الشعبية والحوثي مع الإمامة المطلقة التي تستمد صلاحياتها من صلاحيات النبي من دون نقصان ، مثلما قال الخميني ونظر لها ؟
كيف سيكون السلام مع الحوثي وهو يقدم نفسه ليس مدافعا عن اليمن فحسب ، بل وممانعا للمشروع الأمريكي والإسرائيلي وهذا ما اتفقت عليه الإدارة الأمريكية وكذلك ولاية الفقيه في إيران ؟ كيف يمكن تحقيق السلام بين القائلين بألوية الولاية وبين القائلين بألوية الديمقراطية ؟
المضي نحو السلام مع الحوثي دون الفصل بين الولاية والإرادة الشعبية سيجعل الحياة السياسية منعدمة ، لأنه من شروط الحياة السياسية وجود مواطن يعي معنى وجوده في دولة قانون بينما البديل عند دولة الولاية هو العدم القائم على الطائفية الرافضة للدولة الوطنية والتعددية السياسية والمدنية وللإنسان .
لماذا لا يعين المجلس الرئاسي سفراء لليمن على وجه السرعة في واشنطن وموسكو وبكين وباريس ولندن يشرحون لهذه الدول بأن الخلاف مع الحوثي أعمق من خلاف مع متمردين على الشرعية وانقلابيين ، فهو يتعلق بالوجود ولا سبيل إلى نزع فتيل الحرب سوى بهزيمة هذه العصابة الإرهابية أو تخليها عن أوهام الإمامة التي تزرعها في برامجها ومناهج تثقيفها للأجيال الجديدة في مراكزها ومدارسها وتشحن الذاكرة التاريخية بالماضي وتجعله مرجعية للحاضر وبناء المستقبل ، فهزيمتها ممكنة إذا رفعت دول الرباعية الحماية عنها ، وتخليها عن أوهام الإمامة إذا غيرت دول الرباعية تفكيرها حول مصالحها في اليمن ؟