قضت المحكمة الاتحادية بالعراق بعدم إمكانية انفصال أي منطقة أو محافظة عن البلاد بعد أن أقدم إقليم كردستان على التصويت على الاستقلال، ونزلت الشرطة الإسبانية إلى إقليم كتالونية لمنع التصويت هناك، ونحن في اليمن يدعو عيدروس الزبيدي إلى رفع علم الانفصال في المدارس والجامعات استكمالا لرفعه على المباني والمؤسسات ويعلن صراحة بأنه لم يعد هناك شيء اسمه اليمن، ومع ذلك لم نسمع عن قرار محكمة تجرمه ولا برلمان يسفهه ولا شرطة تردعه ولا قيادات حزبية تجرمه، بل يتم تعينه عضوا في المجلس الرئاسي.
والسؤال للشرعية، لماذا هذا الإصرار على البقاء مع عصابة لا تريد لليمن الخير وتتآمر على اليمنيين من موقع المسؤولية الكبرى ويتم تعيين انفصالي على رأس هيئة المصالحة وانفصالي آخر على رأس لجنة هيكلة ما تبقى من جيش الشرعية ، جميعهم لا يحترمون النشيد الوطني ولا يرفعون علم الجمهورية ولا يحتكمون لقوانين الجمهورية اليمنية ، فأي مصالحة وأي هيكلة ننتظر من انفصاليين يغذون الشارع بشكل يومي بالأحقاد والكراهية ضد ما هو وحدوي ووطني .
لم تكن مواقف عيدروس الزبيدي في يوم من الأيام تعبر عن الشراكة ، فهو خارج عن الدستور ويحاول التمدد في المحافظات الجنوبية عبر حجج وذرائع واهية ، ناهيك عن اتخاذه من عدن عقبة في طريق بناء الدولة وقد حول الجنوب إلى مساحة نفوذ وتآمر دولي وإقليمي ضد اليمن ، معياره الوحيد للوطنية هو معاداة وحدة اليمنيين والتحريض على أبناء الشمال .
إن أقل ما توصف به هذه المواقف السياسية بأنها حالة انفصام سياسي ووطني، فالقضية الجنوبية كانت قائمة على أساس تقاسم السلطة مع الشمال ، وها هو الجنوب منذ ١١ عاما وهو يتحكم بالقرار كلية ، ثم أصبح الانتقالي يمتلك كل الحكومة وكل المجلس الرئاسي لأنه هو الذي يمسك بالقرار ويملك ٩٠ ٠/ ٠ من السلك الدبلوماسي ومع ذلك لا أحد في الشرعية يتساءل عن الحق الذي يحصل الانتقالي بموجبه على كل هذه الامتيازات ومقابل ماذا ؟
لقد تبلورت القضية الجنوبية كمشكلة حقوقية وكثيرا ما حصلت اتفاقات بين الحكومات المتعاقبة وقيادات الحراك سرعان ما انتهى ذلك الاتفاق إلى تمرد عسكري قام به الانتقالي ، يعود السبب في ذلك إلى ضبابية المطالب وعدم تقديم مشروع واضح المعالم ليتسنى الاتفاق على حلها بشكل نهائي ، كل مرة يقدم الانتقالي مطالب نسبية متحركة سرعان ما ينقلب عليها ، فكلما يتم الاتفاق على شبر يطالب بذراع وعندما يحصل على الذراع يطالب بباع والمفروض من رئيس المجلس الرئاسي أن يتوجه إلى السعودية والإمارات ويسألهما مباشرة ، هل أنتما مع وحدة اليمن وسلامة أراضيه أم لا ؟
ولست بحاجة للقول بأن من لديه حسن المسؤولية الوطنية عليه أن يمنع اختطاف اليمن إلى حيث تريد المليشيات وتتاجر به في سوق المساومات ، لأنه لم يسبق أن جاهر أي يمني بطلب التطبيع مع الكيان الصهيوني ، كما فعل عيدروس الزبيدي ، وهل ننتظر ممن يريد التطبيع مع الكيان الصهيوني أن يطبع مع الشعب اليمني أو يبني مؤسسة عسكرية تحفظ وحدة اليمن وأمنه واستقراره ؟ يجب التعامل مع الانفصاليين وفق القانون الدولي ودستور الجمهورية اليمنية وإلا فنحن غير جديرين بتحمل المسألة الوطنية ، وبصيغة أخرى ماذا لو خرج مجموعة من الإماراتيين يطالبون بانفصال إمارة من الإمارات ، كيف ستتعامل أبو ظبي مع تلك المطالب ؟ وبالمثل إذا خرج مجموعة من السعوديين يطالبون بانفصال منطقة من مناطق المملكة ، كيف سيكون رد الرياض على ذلك ؟