كما كان متوقعا، تم تجديد الهدنة في اليمن لمدة شهرين آخرين إثر انتهائها في الثاني من حزيران/ يونيو، ولم يكن الأمر ليحتاج جهدا أو عناء من جانب الوسطاء الدوليين، سوى تلك الاتصالات الهاتفية التي أجراها الأمين العام للأمم المتحدة مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والزيارة التي قام بها مبعوثه إلى اليمن للعاصمة السياسية المؤقتة وللعاصمة العمانية مسقط .
حتى الأمم المتحدة لا تستطيع أن تدعي بأنها الطرف الدولي الذي ضمن انعقاد الهدنة واستمرارها، لأن الأمر برمته ارتبط ولا يزال بجهد الإدارة الأمريكية، وقد رأينا كيف ابتهج الرئيس الأمريكي بهذه الهدنة وأصدر بيانا بشأنها، وأصدر بيانا آخر عند تجديدها .
وقد لوحظ أن بيان الرئيس الأمريكي خلا من الإشارة إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يُفترض أنه السلطة اليمنية المعترف بها دوليا، واكتفى الرئيس بايدن بالإشارة إلى الأطراف، في حين تحدث بشكل مباشر عن الأدوار الرئيسة لكل من السعودية وسلطنة عمان، بل إنه هذه المرة تحدث عن شجاعة القيادة السعودية .
لقد حصد الحوثيون مكاسب كبيرة جراء هذه الهدنة وضمنوا المزيد من الأموال التي ستعزز لا شك من جهوزيتهم الحربية، وفي تقوية قبضتهم على معظم المناطق الشمالية من اليمن، وها هم مستمرون في التشدد غير المبرر تجاه موضوع فتح المعابر في محافظة تعز على الرغم من أولويتها الإنسانية، دون رد فعل دولي متناسب مع حجم المعاناة التي يعيشها سكان مدينة تعز .
نحن إذا أمام هدنة يجري توظيفها سياسيا لصالح أطراف خارجية ولمواجهة استحقاقات شخصية وسياسية واستراتيجية، ومنها محاولة بايدن تحقيق إنجاز يدل على صوابية منهجه، وعلى كفاءته الرئاسية في التعاطي مع أزمة إقليمية ومع ساحة حرب يجري التحكم فيها بشكل فعال من قبل الأطراف الخارجية، مع وجود إمكانية لدى إدارته لممارسة قدر كبير من الابتزاز بحق الطرفين الإقليميين المتورطين في هذه الحرب لتحقيق ما يريده بايدن بسهولة .
وما يمكننا قوله بعد كل الادعاءات التي أطلقها بايدن بشأن الهدوء والأمن اللذين سادا ساحة الحرب، إن ضغوط هذه الحرب بقيت في الداخل اليمني على حالها، حيث انتُهكت ولا تزال تُنتهك هذه الهدنة بشكل سافر، وتستمر المواجهات والقصف وأعمال القنص وقتل المدنيين وانعدام الأمن .
يكاد الرئيس الأمريكي أن يقترب من إنهاء حالة الفتور في العلاقات بين إدارته الديمقراطية مع السعودية، مسنودة بموقف عدائي من قبل اليسار الأمريكي ضد السعودية ومعركتها المصيرية في اليمن، وتحالفها مع إدارة الرئيس ترامب، والأهم من ذلك الاقتراب الوشيك -على ما يبدو- من نهاية القطيعة مع ولي العهد السعودي .
كلا الطرفين الأمريكي والسعودي تقريبا استفادا من دبلوماسية الهدنة التي أوقفت مؤقتا جانبا من الحرب الشاملة في اليمن، وبالأخص أهم مظاهرها وهي الهجمات العابرة للحدود .
وكلاهما لا يكترث بالتداعيات الخطيرة التي تخلفها هذه الهدنة لجهة التآكل الواضح في مكانة ونفوذ السلطة الشرعية، والجزء الصلب من معسكرها المنبوذ إقليميا ودوليا الذي يقاتل طرفا متمردا هو جماعة الحوثي، فيما يواصل الجميع عبر الهدنة تعزيز مكانة هذه الجماعة المرتبطة بإيران، خصوصا عندما توضع في الجهة المقابلة من الحرب كندٍ واضحٍ للسعودية، وتهمش السلطة الشرعية، رغم أنها صاحبة الولاية القانونية في اعتماد الهدنة أو رفضها .
لذا لا غرابة في أن تستمر سياسة استرضاء الحوثيين، من جانب المجتمع الدولي بهدف الإبقاء على الهدوء. ويقيني أن هذه السياسة تقوم عمليا مقام الحرب المتوقفة مؤقتا، يقاس ذلك بمستوى الأثر الذي تحدثه هذه السياسة في هدم الدولة اليمنية وتآكل مشروعيتها وتمكين المشروع الانقلابي ذي الصبغة الطائفية الواضحة؛ المتصلة حركيا واستراتيجيا وأيديولوجيا بإيران والحرس الثوري والمنظومة الشيعية المتطرفة وذات الأجندة العدائية .
كان يمكن للتحالف أن يستثمر الهدنة في دعم عملية سياسية واسعة النطاق لإعادة تأهيل السلطة الشرعية وضمان تماسكها، وإضفاء قيمة حقيقية لانتقال السلطة وتبديد الأثر السيئ الذي تركه هذا الانتقال لدى الغالبية العظمى من السياسيين اليمنيين؛ الذين شعروا بأن الهامش المتبقي من المناورة قد تآكل لدى معسكر الشرعية إلى الحد الذي شعروا معه بأنه قد جرت مصادرة إرادتهم بشكل كامل .
والذي حدث هو أن التحالف غذّى بشكل مباشر وربما غير مباشر موجة من الصراع في إطار السلطة الجديدة، وهو مؤشر على أن الهدنة تفقد أثرها السياسي والاستراتيجي من منظور الشرعية وتتحول إلى عبء ثقيل عليها .
ومن المؤكد أن الوضعية الهشة للسلطة الشرعية الجديدة، واستمرار الغموض في موقف التحالف تجاه السلطة الجديدة، يُقللان إلى حدٍ كبيرٍ من قدرة هذه السلطة على التمسك بخيار المواجهة مع الحوثيين في حال تعرضت الهدنة للانهيار، وصار من المهم للغاية أن يُظهر رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، ليس فقط استعداده الشخصي لترك المنصب، بل قدرا من الوضوح بشأن طبيعة التحديات التي تواجهها السلطة الشرعية، خصوصا في ظل تمسك المجلس الانتقالي الجنوبي بخيار الانفصال، محفوفا كالعادة بالإسناد الإماراتي المكشوف .
نقلا عن عربي 21