فتح جيلي عيونه على الحياة فوجد أستاذه في المدرسة مصري والكتاب الذي بين يديه مصري والأغنية مصرية وتشبع بالقومية العربية وعرف معنى الإنسانية، بعد أن عاشت الأجيال السابقة في كنف الظلام الكهنوتي الذي أغلق اليمن لمدة ١٢٠٠ عام وقطعها عن التواصل مع حضارتها من ناحية وتواصلها مع بقية أشقائها من ناحية أخرى .
وما كادت اليمن تلتقط أنفاسها خلال الستين سنة الماضية، حتى عادت الإمامة مسنودة بالرجعية لتعيدها سيرتها الأولى، وقد فطنت الرجعية إلى أنها لا تستطيع فعل ذلك إلا إذا عزلت اليمن عن مصر وبعدت مصر عنها، لأنها تدرك أن استمرار تواصل الثورة اليمنية مع ثورة يوليو المصرية يسقط كل خرافات الكهنوت ويحصن اليمن من داء الرجعية المتربص بمستقبل اليمنيين .
وقد فطن الرئيس العليمي إلى ذلك، فقرر كسر الحواجز التي وضعت بين اليمن ومصر وقرر زيارة مصر بحثا عن طوق نجاة لإنقاذ اليمن، ما يجعل اليمنيين يطمئنون إلى الدور المصري، ليس فقط تبني ثورة يوليو لثورة ٢٦ سبتمبر فحسب، بل أيضا استناد السياسة المصرية الخارجية إلى حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا، إضافة إلى أن مصر لا تعتبر دورها القيادي في المنطقة العربية امتيازا، كما تحاول بعض الدويلات الصغيرة فعله، بل تعتبره مسؤولية ألقيت على عاتقها وفرضت عليها .
وظني أن زيارة الرئيس رشاد العليمي لمصر سوف تكون محملة بمسؤوليات ضخمة، أولها تسليم ملف الأزمة اليمنية لمصر واستعادة مصر لدورها القيادي في اليمن والمنطقة كلها، وليس سرا أن مصر بذلت جهودا سياسية ودبلوماسية مضنية في فترة الرئيس هادي الذي لم يكن عند مستوى المسؤولية، وأعتقد جازما أن فترة العليمي ستكون الترجمة الحقيقية لتكامل العلاقة بين البلدين .
إن تقدير الدور المصري أمر راسخ في العقل وفي القلب والضمير اليمني منذ أمد بعيد، تجدد مع وقوف ثورة يوليو إلى جانب ثورة ٢٦ سبتمبر التي اعتبرتها مصر في ذلك الوقت أحد أهم مفاتيح الرهان على التطور نحو مستقبل أفضل، واليوم وبعد أن تراجع كل الأشقاء والأصدقاء وتراجع اهتمامهم بالشأن اليمني وتركوا اليمنيين يواجهون مصيرهم لوحدهم، قرر الرئيس العليمي أن يشرك أخاه الرئيس عبد الفتاح السيسي وأن يضع أمانة اليمن بين يديه، فمصر عبر تاريخها لم يتعامل شعبها ولا حكامها مع العروبة من منطلق عنصري ولا من رغبات ومطامع في توسع إقليمي يسعى إلى ضم مزيد من الأرض، كما تفعل اليوم بنا بعض الدويلات.
ومثلما أن الحضارة اليمنية والمصرية القديمة صبت في مجرى تاريخي واحد ومثلها ثورة يوليو التي لم تخترع المشروع العروبي ، بل جسدته في ثورة سبتمبر اليمنية واقعا حيا على الأرض بسياسات تبنتها ومعارك خاضتها ، تأتي زيارة الرئيس رشاد العليمي اليوم إلى مصر إيذانا باستعادة مصر لدورها القيادي ، بعد أن فشلت دول ومحاور أخرى في إدارة الملف اليمني وكادت تسلم اليمن لإيران وتخرجها من محيطها العربي ، ولن يغفل العليمي مناقشة وضع اليمنيين المقيمين في مصر والالتماس من أخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي عودة التعامل مع اليمنيين بالإقامة المفتوحة كما كانت سابقا ، فدخول مصر على خط الأزمة اليمنية يزيد من اطمئنان اليمنيين بأنهم لن يتعرضوا للغدر والخيانة من جانب أي دولة في المنطقة .